الفنان الحقيقي يعي جيداً «أن وطنه سيحتفي به بعد رحيلة !»، ولكنهم قلة، أولئك الذين تغربوا بعيداً عنه، وما انفكوا يحتفون به مع كل خفقة من خفقات قلوبهم!

هذا الفنان، ويحق لي أن أسميه بسبب تعقيباته وتعليقاته باتساع صفحته «الفيسبوكية» الأديب التشكيلي محمد أبوميس، ولا يخالجني شك أن أحداً سيخالفني الرأي، عندما أستعرض بعضاً من أقواله البليغة، أقول منها في توصيفه البليغ لبلادنا: «أرض الأسود التي لم يعد بها غزلان - ولذا- الأسود ستنهش بعضها لا محاله».

ويقول في مناسبة أخرى، أنقلها بتحريف بسيط: «البعض لازال على اتصال جيد مع غرائزه حتى فى حضرة الوطن المنهك. باختصار، هم يبحثون عن كرامتهم من خلال التودد والتقرب من مصادر التحكم فى احتياجات الحياة مثل؛ المال، الغاز، البنزين، الكهرباء، وربما الماء والدقيق مستقبلاً. لم يتغير شيء، هم فقط يسعون باقتدار إلى تغيير السروج، ولكنهم لا يدركون أن السروج الأصيلة - الفخيمة - بحاجة إلى الخيل الأصيلة».

انتقد سلبيات المركزية بوضوح فى بعض الملامح منها؛ الاختفاء القسري للهوية الطرابلسية، تهجين ذو عيوب جينية وفكرية، التجاور القسري، فقدان الإحساس بمفهوم المكان والزمن، الاخلال بمفهوم الانتماء، ونصب الخيام فى ميدان الشهداء، والرقص باسم أهل الدار.

 أنه من أخلص «الذايحين»
ويتواصل من غربته، بود دافق وساخر مع أصدقائه الفنان جمال الشريف جمال، والفنان خالد الصديق ويشكر «رباية الذايح»... ويؤكد أنه سيكون لها من أخلص «الذايحين».

ويطوع كلمات، ويحرفها بذكاء منتقداً أساليب طرأت علينا: «طرابلس يا حفرة (الذم)»...«جاك الخلاء يا زوارة»!!! وينتقد، بذكاء حالاً لم تعد بخافية على أحد: يبارك زوارة مدينتا الحبيبة «جميلة العينين»، ويهنئها، ساخراً بخلاصها من ربابنه قوارب الموت. رمزاً هنا وهناك وكلمة نقد بناء لحال بلادنا، التي يراها، من بعيد، بُعد عاشق متيم ببلاده التي حملها في قلبه وهاجر بها إلى حافة العالم الشرقية.

مبدع مُتيم بوطنه 
مبدع أنت أيها الصديق، الفنان التشكيلي والأديب المتيم بتراب بلاده، فمن مثلك بذاكرة الطفولة والشباب، راحلاً محملاً بـ«ملامح من الأجواء الحميمية لسواني سوق الجمعة - شط الهنشيرسانية العائلة». أجواء ما بين العصر والمغرب، بالجوار حقل شاسع لشجر ونبتة الحناء، وبعض من شجر المشمش والنخيل، تُسقى عبر السواقى التى تُزودها (الجابية) التى تُغدى من خلال (الميده) وهذه الأخيرة تزودها بئر عربية تمتد عمرها الزمني لمئات السنين لاتزال صامدة رغم اكتساح الخرسانات الأسمنتية».

محمد أبوميس أصيل مدينة طرابلس «سوق الجمعة- شط الهنشير» مواليد «1970»، أخذه الترحال من خلال الدراسة عبر محطات متنوعة منها «إنجلترا وأميركا وأخيراً أستراليا».

- بكالوريوس فنون جميلة «1994» - كلية الفنون، طرابلس.

- ماجستير فنون «2004» - جامعة مانشستر متروبوليتن- إنجلترا.

- دكتوراه فلسفة فنون «2014» - جامعة مالببرون الملكية «RMIT»- أستراليا.

له العديد من المعارض المحلية والخارجية.. محلياً وخارجياً.

الفنان التشكيلي والأديب الليبي- جداً- محمد أبوميس مقيم في أستراليا جراء حالة تلاقح قاري حدثت منذ أزمان سحيقة، قبل أن تنفصل القارات عن بعض في الانفجار الكوني العظيم، تجلى في فن الصحراء، وبالتحديد الصخري منه، كائنات خرافية أسطورية، كائنات حقيقية لم تنقرض بسبب الزمن وتقلباته، لكن حدث لها تغير في الهيئة والحجم فقط، عربات، أدوات تحتاجها المعيشة اليومية، حياة برمتها منذ تكوُّن الوجود وإلى الآن نراها منقوشة على الصخر، متحدية عوامل التعرية، لا تزول، من نقشها فنان حقيقي أراد من خلالها التعبير عن خلوده، هذا هو الفن، غايتي، عبارة عن محاولة جادة للخلود.. محاولة للهرب من العدم.