Atwasat

الجفرة.. ترحال يثري الروح قبل العقل

السدرة - بوابة الوسط: أسامة الجارد الأحد 20 نوفمبر 2016, 07:43 مساء
WTV_Frequency

على الرغم من إرهاق الرحلة، ومشقة السفر عبر الكثبان الرملية، ووحشة سواد الليل الحالك، إلا أن الترحال في منطقة الجفرة يثري الروح قبل العقل، وينعش ذكريات الماضي القريب والبعيد.. خمس بلدات تتكون منها تلك المنطقة هي سوكنة، وهون، وودان، والفقهاء، وزلة، فضلاً عن ضواحٍ تابعة لتلك البلدات.. لكل مكان قصته وعبقه ومميزاته.

وفي محاولة لإعادة اكتشاف تلك التفاصيل، ارتحلت «الوسط» في كل الزوايا، وعبر صورة قلمية تحاول في السطور القادمة وصف المكان وطبيعته وسكانه.

 «فوار ودان» أهم الينابيع الساخنة في المنطقة وهو عين يتفجر منها ماء أخضر بقوة هائلة

يفضل المرتحلون السفر إلى الجفرة ليلاً، ويكشف سائق سيارة الرحلة أحمد (23 عاماً، ومن سكان بلدة الشويرف) سر هذا التوقيت، مشيراً إلى أن السفر ليلاً يكون أكثر راحة، لاسيما أن المناخ يكون معتدلاً.. قبل الوصول إلى الجفرة بـ100 كيلومتر، وقفت السيارة التي تقل المسافرين بغرض الراحة، واحتساء أكواب من الشاي أو القهوة، وتناول الطعام. ومع استئناف السفر إلى الجفرة، كانت السيارة تعدو بسرعة ما بين مئة كيلومتر في الساعة وأقل بكثير في بعض الأحيان، فالكثبان الرملية في الطريق تتحكم في سرعة السيارة أكثر من السائق.


القاعدة الجوية
قبل استقبال الجفرة للزائر تباغته سلسلة مباني قاعدة الجفرة الجوية ولايمكن تفادي رهبة الطريق عند هذه النقطة، خاصة في ساعة متأخرة من الليل، ولن تفارق الزائر هواجس تبثها الفضائيات حول وجود تنظيمات مسلحة في المكان، لكن كل ذلك يتبدد بمجرد الوصول إلى الجفرة.

لا يمكن تجاهل الفوارق الجوهرية بين أزياء نساء المنطقة خاصة في سوكنة وهون وودان

المرتحل في بلدات الجفرة يلاحظ بوضوح السلسلة الجبلية التي تحيط ببلدات هون وودان وسوكنة من ناحية الشمال، وهو ما يعرف بسلسلة جبال «الرواغة»، أما من ناحية الجنوب فيُرى ما يعرف بـ«جبل السودة»، وهو وِحدة من امتداد لسلسلة جبال الهروج.

مع انقشاع الظلام، وإقبال الساعات الأولى للصباح، وعند الوصول إلى بلدة هون، تبدو الحركة ضعيفة في الشوارع، لكن ذلك يعود إلى التبكير بالزيارة، بينما يتيح ذلك فرصة لإعادة اكتشاف البلدة، فيلاحظ مدى ما تحمله من ملامح الحداثة في مرافقها، ويبدو جزءاً من منازلها مألوفاً كما كان عليه منذ سنوات، فالمدينة شهدت طفرة عمرانية منذ أن اختارتها قيادات النظام السابق مقراً للقيادة العامة الموقتة للدفاع، ولرئاسة الوزارء آنذاك (اللجنة الشعبية العامة)، التي خصصت لها المباني الإدارية ومساكن الموظفين.

قضاء سوكنة
ومنطقة الجفرة هي تسمية حديثة بحسب كبار السن بالبلدة، وتضم خمس بلدات هي «ودان وهون وسوكنة والفقهاء وزلة»، إلا أن تسمية الجفرة ترسخت في بلدة هون دون غيرها من المناطق، وهي الحاضنة لها بعكس ما كان الحال عليه سابقاً، عندما كانت هذه البلدات تابعة لقضاء سوكنة، التي تعتبر من أقدم أماكن الاستقرار السكاني بمنطقه الجفرة.

خلال الرحلة كان المناخ في الجفرة خريفياً بديعاً، إذ يعتبر سكان المنطقة فصل الخريف من أفضل فصول السنة، وقبل أيام كان سكان بلدة هون أنهوا فعاليات المهرجان السنوي، المعروف بمهرجان «الخريف» حيث تعرض المنتجات المحلية، وأهمها منتجات التمور بأنواعها المختلفة.

تسمية الجفرة ترسخت في بلدة هون دون غيرها من المناطق، وهي الحاضنة لها بعكس ما كان الحال عليه سابقاً

أول ما يشد انتباه الزائر في بلدتي هون وسوكنة، التي تعتبر المصدر الرئيسي للمياه العذبة بمنطقة الجفرة، هو حجم الدمار الذي خلفه حلف الشمال الأطلسي «ناتو» إبان ثورة فبراير التي لطّخت وجه بلدة هون بأكوام الخراب، ونقشت بالرصاص كثيراً من مبانيها، وفتحت جروحاً غائرة في نفوس ساكنيها، لازال الأهالي يتناقلونها خلال السنوات الست الماضية.

الجيش السابق
ومع الاقتراب من حيّ فاخر الذي كان مخصصاً لقيادات الجيش السابق، تقابلك آثار الرصاص وقذائف الـ«RBG»، وحطام منزل وزير الدفاع الليبي السابق بوبكر يونس جابر، حيث لايزال منزله مهجوراً وشاهداً على ضراوة ضربات «ناتو»، أما بقية المنازل فأضحت بواباتها موصدة بسواتر ترابية، بينما تتقاذف ستائرها الرياح عبر النوافذ المفتوحة.

وفي بلدة سوكنة، لازال ينتصب منزل الرئيس السابق معمر القذافي على مساحة عشرات الهكتارات، إلا أنه بات مهجوراً باستثناء آثار غارات التحالف، لكن شخصية مقرّبة من القذافي قالت: «إن هذه المقار كانت تستخدم كغرف عمليات، لكن سكان البلدة توصلوا إلى اتفاق عرفي فيما بينهم لتقسيم الأراضي المزروعة بالنخيل».

يستطيع كل متجول في المحلات التجارية ببلدة هون أن يلمس نبرة القلق عند التجار

المشهد في ضواحي سوكنة لا يختلف كثيراً عن غيره، فأكبر معسكرات تلك الضواحي هو «الرحبة»، ويقع قرب مزرعة القذافي، لكنه تحول إلى أثر. أما المقار التي نجت من ضربات حلف «ناتو»، فهي مخازن «الرواغة»، التي تضم مخازن أسلحة كيماوية، حرصت الأمم المتحدة على تأمينها.


نبرة القلق
ويستطيع كل متجول في المحلات التجارية ببلدة هون أن يلمس نبرة القلق عند التجار، حيث يشيرون إلى تراجع حاد في المبيعات والأرباح، ويفسرون ذلك بسبب شح السيولة المالية في البنوك لتنحصر قدرة المواطنين الشرائية في ضرورات العيش من غذاء وماء ودواء، بعكس ما كانت عليه في السابق، إذ كانت مدن وبلدات الجفرة مزدهرة اقتصاديًا وتجاريًا وسياحيًا. أما معالم بلدة هون السياحية والتاريخية، فتتصدرها «المدينة القديمة»، التي كانت في الماضي مصدرًا اقتصاديًا ومعيشيًا لقطاع كبير من المواطنين.

وتعد الينابيع الساخنة التي يطلق عليها السكان المحليين تسمية «فوار» من أهم معالم المنطقة، ومنها «فوار ودان»، وهي عين يتفجر منها ماء أخضر بقوة عظيمة، منطلقاً في مجرى متعرج، تتصدره صخور بيضاء، ثم ينتهي ليصب في بحيرة كبيرة محاذية لجبل الرواغة. إلى جانب تفاصيل المكان، لايمكن تجاهل الفوارق الجوهرية بين أزياء نساء المنطقة، فرغم اقتراب المسافة بين مدن وأحياء المنطقة، وعدم تجاوزها كيلومترات معدودة، إلا أن تلك الفوارق باتت ملحوظة في أزياء سيدات سوكنة وهون، فالسيدة السوكنية على سبيل المثال ترتدي الملحفة السوداء، أما السيدات في هون فيرتدين الملحفة ناصعة البياض، لكن ملحفة السيدة الودانية فبيضاء ومزركشة بالزهور.

الجفرة.. ترحال يثري الروح قبل العقل
الجفرة.. ترحال يثري الروح قبل العقل
الجفرة.. ترحال يثري الروح قبل العقل

المزيد من بوابة الوسط

تعليقات

عناوين ذات صلة
تنتج 80 طنًا في الساعة.. آلة أميركية لإعادة تدوير مخلفات البناء في أبوسليم
تنتج 80 طنًا في الساعة.. آلة أميركية لإعادة تدوير مخلفات البناء ...
شاهد على «الوسط» الحلقة «20» من «مئوية ليبيا».. الخطاب القوي والتفاعل
شاهد على «الوسط» الحلقة «20» من «مئوية ليبيا».. الخطاب القوي ...
تعاون ليبي للاستفادة من تجربة ماليزيا في التمويل المصرفي الإسلامي
تعاون ليبي للاستفادة من تجربة ماليزيا في التمويل المصرفي الإسلامي
مقترح بإنشاء مستشفى ميداني ومخيم للنازحين السودانيين على الحدود مع ليبيا
مقترح بإنشاء مستشفى ميداني ومخيم للنازحين السودانيين على الحدود ...
ورشة عمل لتمكين القيادات النسائية بالوزارات في طرابلس
ورشة عمل لتمكين القيادات النسائية بالوزارات في طرابلس
المزيد
الاكثر تفضيلا في هذا القسم