Atwasat

حول نظرية المؤامرة

عمر أبو القاسم الككلي السبت 10 يناير 2015, 10:27 صباحا
عمر أبو القاسم الككلي

تنتشر نظرية المؤامرة، في التعامل مع الأحداث السياسية، وتسود على أعلى المستويات الثقافية في ما يسمى دول الجنوب، وبالذات في ما يخص علاقتها بالدول الإمبريالية والدول ذات التاريخ الاستعماري الواسع.

وإذا تغاضينا عن استخدام الأنظمة القمعية والاستبدادية في دول الجنوب نظريةَ المؤامرة كَتَعِلَّة لقمع المعارضة واستخدام المعارضة لنفس النظرية في الدعاية ضد هذه الأنظمة، فإن المنهجية نفسها منغرسة في التفكير العام، الأمر الذي يجعل تعلة الأنظمة والمعارضة تحظى بقدر واسع من القبول.

ترى نظرية المؤامرة أن كل ما يحدث في دول الجنوب من تغيرات وانقلابات عسكرية وتحركات شعبية وثورات، إنما هو نتيجةُ مكائدَ ومؤامراتٍ أجنبية حِيكت خيوطُها في مناسج أجهزة استخبارات الدول المهيمنة في العالم الآن عسكريا وسياسيا واقتصاديا وثقافيا، وهي أمريكا إضافة إلى ثلاث أو أربع دول أوربية ذات ماض استعماري.

ينبغي تفحص كل واقعة منفردة، وبدون فرضيات مسبقة، لتبين ما إذا كانت قابلة لأن تكون نتاج مؤامرة أم لا، وإذا كانت قابلة فما هي حدود وطبيعة المؤامرة فيها

المؤامرات وفكرة المؤامرة موجودة منذ بداية تكون المجتمعات الإنسانية ونشوء الدول، لكن مصطلح «نظرية المؤامرة Conspiracy Theory» ظهر للمرة الأولى سنة 1909ولاحقًا أصبحت تسمى «التآمرية Conspiracism».

وتُعَرَّف المؤامرة، في السياق الذي يهمنا، وهو السياق السياسي، بأنها: الفكرة القائلة بأن عديد الأحداث السياسية الهامة أو الميول الاقتصادية والاجتماعية إنما هي نتاج مكائد سرية مجهولة لدى العموم. dictionary.reference.com/browse/conspiracytheory أو أنها «الإيمان بأولوية المؤامرات في سير التاريخ» http://en.wikipedia.org/wiki/Conspiracy_theory

لكن التطورات التاريخية تقتضي، ودائما في السياق السياسي، التفريق بين ثلاثة أنواع من المؤامرات:
النوع الأول تقوم به مجموعات صغيرة (داخل بلدها ذاته في السابق، والآن داخل بلدان أجنبية أيضًا) ويتميز هذا النوع من المؤامرات بالسرية التامة ونادرًا ما يكتشف أو يحبط.

النوع الثاني يلتقي مع الأول في السرية البالغة وصعوبة الاكتشاف والإبطال، لكن تنظمه أجهزة استخبارات أجنبية على أراضي بلد آخر (وفي حالات خاصة جدًا داخل أراضيها نفسها).

النوع الثالث تقوم به الدول أيضًا، لكنه لم يعد عملاً استخباراتيًا محضًا وإنما أصبحت الكلمة المسموعة فيه لمراكز البحوث المتخصصة والمفكرين الاستراتيجيين، وبذا أخذ يبتعد عن تعريف المؤامرة ويدخل في مجال المخططات التي تقوم بها الدول الكبرى المتنفذة في العالم لتحديد مصير شعوب ودول ومناطق أخرى. وهذا النوع الأخير يرتخي فيه عامل السرية ويتم العلم به، بكيفية أو أخرى، وجزئيا أو كليا، قبل القيام بمحاولات تنفيذه بسنوات [مثل إعلان وزيرة الخارجية الأمريكية غونزليزا رايس حينها عن إعادة تشكيل شرق أوسط جديد سنة 2006 إبَّان الاعتداء الإسرائيلي على لبنان، تحت تأثير الاعتقاد بأن هذا العدوان سينهي المقاومة اللبنانية المتمثلة في حزب الله، وبذا تكون فرصة تطبيق المخطط قد حانت].

لم تعد الدول الكبرى في حاجة إلى إحاطة مخططاتها بالكتمان التام لأنها لم تعد تخشى، كثيرا، من إحباط مخططاتها في حال اكتشافها. في الوطن العربي تنقسم النخب بشأن نظرية المؤامرة إلى ثلاثة أقسام:

قسم أكثري، يعتبر أن خيوط، تقريبًا، كل ما يقع في بلداننا متجمعة في يد الغرب يحركها لحظة يشاء وبالكيفية المناسبة، نافيًا عن شعوب هذه المنطقة أي قدر من المقاومة.

وهذه، في تقديري، رؤية عدمية تجعل من الغرب كليَّ القدرة Omnipotent وبالتالي فمن العبث محاولة اعتراض مخططاته ومقاومته. الاستسلام هو الحل الأمثل. ومن هذه الناحية فهو يمثل دعاية مثلى للغرب!

القسم الثاني، وهو أقل من الأول بكثير، ينفي دور المؤامرة في ما يحدث بالمنطقة من حوادث ويعتبرها نتيجة تفاعل وحراك داخليين. وهذه الرؤية، وإن لم تكن عدمية مثل الأولى، إلا أنها وحيدة الجانب.

القسم الثالث، وهو محدود جدا، يرى، مع كارل بوبر Karl Popper، أنه «ينبغي التسليم بأن المؤامرات تحدث، ورغم ذلك فإن الواقع الدامغ Striking fact يدحض نظرية المؤامرة، بالنظر إلى أن قلةً من هذه المؤامرات قد تحقق لها النجاح. ذلك أن المتآمرين نادرا ما يكونون مسيطرين على كامل متطلبات مؤامرتهم». http://en.wikipedia.org/wiki/Conspiracy_theory

وعليه، ينبغي تفحص كل واقعة منفردة، وبدون فرضيات مسبقة، لتبين ما إذا كانت قابلة لأن تكون نتاج مؤامرة أم لا، وإذا كانت قابلة فما هي حدود وطبيعة المؤامرة فيها.

فمثلاً، يرى كثيرون في الزلزال الاجتماعي والسياسي الذي تفجر مع نهاية 2010 في تونس، ثم مصر وليبيا سنة 2011، مجرد مؤامرة خطط لها وفَعَّلها الغرب. لكن لا يمكن قبول أن الشرطية التونسية التي صفعت البوعزيزي فعلت ذلك في إطار مؤامرة غربية، وأن الأخير أحرق نفسه بمقتضى نفس السياق، وأن الجماهير التي هبت محتجة وثائرة كانت تحركها خيوط يمسك بها الغرب. وكذلك هو الشأن بالنسبة إلى ما جرى في مصر وليبيا واليمن وسورية.

طبعًا هذا لا ينفي أن الغرب قام، بالتعاون مع بعض الوكلاء في المنطقة، بمحاولات لتدارك الأمر وتوجيه الأحداث الوجهة التي تلائم ما يمكن أن يكون موجودا لديه من مخططات مسبقة. لكن لا يمكن القول، حتى الآن، بأن الرياح تجري بما يناسب وجهة سفنه تماما. الوضع مازال في حالة تفاعل ومخاض، ومازال مُرَشَّحا لاحتمالات مختلفة.