Atwasat

سنوات شلقم مراجعة أم تراجع؟

أمين مازن الأحد 04 أغسطس 2024, 02:49 مساء
أمين مازن

أفلحت سنوات العزيز عبد الرحمن شلقم التي عنون بها مذكراته ذات الخمسمائة وخمسين صفحة في دفعي لاستعادة الفترة الزمنية المحددة بالعام التاسع والأربعين من القرن الماضي حيث مولد الكاتب في الجنوب الليبي والتاسع والستين منه حيث الإطاحة بالعرش الملكي، عندما صار شلقم أحد الذين أهّلتهم نتائج امتحان المرحلة الثانوية للدراسة الجامعية في آداب القاهرة ليلتقي في النصف الثاني من سبعينياته العقيد معمر القذافي بباب العزيزية حيث المكتب الصحفي الذي ولجه شلقم عن طريق الأستاذ محمد بلقاسم الزوي أبرز المدنيين الذين التحقوا بالعهد الجديد واشتهر بنزعته الخيّرة وتواضعه الذي كثيرًا ما يدفع المتسرع إلى عدم فهم ما هو عليه من الأهلية.

فبدأ شلقم مشواره العملي وتواصله مع عديد الأسماء ليأتي سرده ومجموع انطباعاته التي تُسوِّغ للبعض وليس كذلك للبعض الآخر، ولا سيما بالنسبة لنا معشر الذين كُنّا قد طرقنا الكتابة بالصحف الخاصة والتي كان لبعضها الموقف الملحوظ تجاه ما يجري، مما حدا بالعهد الثوري إلى أن يتخذ منها الموقف غير الودّي والذي حاولت شخصيًا أن أُحِدَّ منه عندما كُلِّفتُ بإدارة المطبوعات من طرف الدكتور المُغربي أثناء ترؤسه لأول حكومة.

وقد أبلغني حينها المُغربي بعدم موافقة القيادة على ما ارتأيت، وذلك قبل أن يتقدم الحكام الجدد لاستلام الحكم ويدعوهم إليه عديد المدنيين الذين لم يرتاحوا لما يتبنّاه المُغربي من سياسة تقشفية وحَدٍّ من التوسع في الأجهزة الإدارية والحقائب الوزارية وما تبع ذلك من سقوط طائرة سيناء ومجاهرة القوى الوطنية المستنيرة باستنكار ضعف الجبهة المصرية وخروج مظاهرات مستنكرة حرص العهد الجديد على التصدي لها انطلاقًا من خطاب زوارة وما تلاه من حملات الاعتقال التي تزامنت مع تراجع العقيد القذافي عن استقالته وانفتاح غير مسبوق على الشقيقة مصر وتوسع في تعيين القادمين منها بطلب أو من دون طلب ولا سيما المجال الصحفي حيث اختفى أي دليل على وجود الأسلوب الليبي كتابةً أو إخراجًا.

خاصة أن ذلك قد جاء مع ما أُطلِقَ عليه إعلان سلطة الشعب، وما استحدثته في مجال النشاط الفردي ومن بينه الصحفي، الأمر الذي تعذّرَ معه تحقيق أي تقدم مهني يخرج عن التوجه العام الرامي إلى تكريس الحكم الشمولي وهو ما أتاح لشلقم أو فرض عليه التوجه لأوروبا من المدخل الإيطالي واحتراف العمل الدبلوماسي وما به من أنواع الصراع والتنافس والطموح للممكن وغير الممكن معولًا على ثنائي «القايد والرايد» كما كُنا نسمي الاثنين.

ونحن نقوم بما أُنيط بنا أو سعينا إليه وشاركنا فيه ولا سيما عندما عقد جلود سلسلة اجتماعاته وإعداد مخططه الذي ردَّ عليه العقيد بهدم مبنى الحكومة بعد أن صُيَّنَ بالملايين فضلًا عن موقعه الأثري في رسالة واضحة ألَا قبول لما يدعو إليه جلود من مأسسة العهد كي يبقى مع علمه المسبق أن الرفض هو المنتظر، لينزوي «الرايد» ويستمر «القايد» في مشواره ويحلّ شلقم بأرفع موقع دبلوماسي دولي ويشهد تمزيق ميثاق الأمم المتحدة* كما فصّل عن الحضور والجلوس وخرق الترتيبات وتأكدَ لعديد الخبراء ألّا مكانَ لمن فعل هذا مستقبلًا ريثما حلَّ الربيع العربي وأحدث ما أحدث واتخذ شلقم ما اتخذ وكتب ما كتب، وها هو يكتب مرة أخرى لنستعرض ما أنجز.

والسؤال هل هذه «السنوات» مراجعة أم تراجع أو هل ثمة مجال للأمرين؟ فإذا كان ما حمله الكتاب يتسع لذلك كله ويستدعي التناول أكثر من مرة، فإن تحية الكاتب على منجزه أقل ما يمكن الطموح نحوه، كيف والوشائج أكثر من أن تُحصى والمحتويات أدعى لاختلاف الرؤى.

وحسب العمل أن يكون كذلك والسنوات قد جاءت بهذا التنوع ويبقى المنتظر من الكاتب الذي انفتح على اللغة التي عبّرَ بها أمثال قرامشي وكروتشة وتولياتي وبرلينقوير أن يترك منجزًا يُذكر له وربما يخلّده، فمن أُوتِيَ شيئًا من جوامع الكَلَم ليس مستحيلًا أن يكون كذلك.

مقالات الرأي تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي «بوابة الوسط»