Atwasat

قمة الرياض... قراءة في البيان الختامي

إبراهيم حميدان الخميس 16 نوفمبر 2023, 05:17 مساء
إبراهيم حميدان

انعقدت السبت الماضي 11 نوفمبر القمة العربية الإسلامية في مدينة الرياض بالمملكة العربية السعودية لمناقشة العدوان الإسرائيلي على غزة، وكانت الرياض قد أعلنت عن دمج القمتين اللتين كانت تستعد لاستضافتهما في قمة واحدة: قمة جامعة الدول العربية وقمة منظمة التعاون الإسلامي، وذلك "استشعارا من قادة جميع الدول لأهمية توحيد الجهود والخروج بموقف جماعي مُوحّد يُعبّر عن الإرادة العربية الإسلامية المشتركة بشأن ما تشهده غزة والأراضي الفلسطينية من تطورات خطيرة وغير مسبوقة". وفقا لما ورد في بيان وزارة الخارجية السعودية.

جاءت هذه القمة الطارئة بمشاركة 57 دولة عربية وإسلامية، تُمثل ما يقرب من ثلث أعضاء الأمم المتحدة، وتضم دولا كبيرة ومؤثرة على المستوى الإقليمي والعالمي: تركيا، أندونيسيا، إيران، باكستان، إضافة إلى مصر ودول الخليج، وأغلب الدول المؤثرة شاركت على مستوى الرؤساء في هذه القمة، وهو ما ساهم في رفع سقف التوقعات لدى المتابعين من الفلسطينيين والعرب والمسلمين، لكن خيبة الأمل كانت في انتظارهم عندما لم تتضمن مخرجات القمة نتائج مهمة على الصعيد العملي، وآليات تضمن تنفيذ القرارات، بما يُلزِم إسرائيل بوقف عدوانها على غزة، ورفع الحصار عن القطاع. مثل قطع العلاقات الديبلوماسية أو العلاقات الاقتصادية إلخ. نعم، كانت هناك مسائل مهمة على الصعيد السياسي في مقدمتها عودة القضية الفلسطينية لتصبح في واجهة الأحداث الإقليمية والعالمية، بعد أن كانت بعض الدول العربية خلال السنوات القليلة الماضية دخلت في علاقات سياسية واقتصادية مع دولة الاحتلال الصهيوني، ودول أخرى كانت تستعد إلى التطبيع في تجاهل تام لحقوق الشعب الفلسطيني، حتى جاءت عملية "طوفان الأقصى"، لتُجمّد مسار التطبيع، وتُحرِج المُطبّعين، وتفرض القضية الفلسطينية مجددا على الحكام العرب، ما جعل القادة المشاركين في هذه القمة يُعيدون التأكيد في بيانهم الختامي على: "مركزية القضية الفلسطينية، ووقوفنا بكل طاقاتنا وإمكاناتنا إلى جانب الشعب الفلسطيني الشقيق في نضاله وكفاحه المشروعين لتحرير أراضيه المحتلة كافة، وتلبية جميع حقوقه غير القابلة للتصرف". إضافة إلى ذلك: "استحالة تحقيق السلام الإقليمي بتجاوز القضية الفلسطينية أو محاولات تجاهل حقوق الشعب الفلسطيني، وأن مبادرة السلام العربية التي أيدتها منظمة التعاون الإسلامي مرجعية أساسية".

كما طالب البيان، جميع الدول بوقف تصدير الأسلحة والذخائر إلى سلطات الاحتلال.

تضمن البيان الصادر عن القمة 31 بندا، عبر فيها القادة عن إدانتهم للعدوان الإسرائيلي على غزة ورفضهم لما اعتبرته أمريكا والغرب "حق إسرائيل في الرد"، واعتبار ما قامت به إسرائيل لا يدخل في حق الرد بل "جرائم حرب ومجازر وحشية وهمجية لا إنسانية ترتكبها حكومة الاحتلال الإسرائيلي" والمطالبة بوقف هذا العدوان فورا. ودعوة مجلس الأمن الدولي لاتخاذ موقف حاسم يفرض وقف العدوان. إضافة إلى مطالبة المدعي العام لمحكمة الجنايات الدولية ببدء تحقيق فوري في جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية التي ترتكبها إسرائيل ضد الشعب الفلسطيني في جميع الأراضي الفلسطينية المحتلة.

والسؤال الذي يتبادر على الذهن هو: كيف يمكن أن يستجيب مجلس الأمن لهذا المطلب وثلاثة من أعضائه الدائمين في هذا المجلس يمتلكون حق الفيتو هم من الداعمين الرئيسيين لإسرائيل في حربها على غزة وهم أمريكا وفرنسا وبريطانيا؟

ولكن على الولايات المتحدة أن تضع في اعتبارها أنها أمام مطلب تتبناه 57 دولة يتوزعون على قارتين ويمثلون ثلث أعضاء الأمم المتحدة في واقع دولي متحرك، يشهد متغيرات على هذه الرقعة الجغرافية الواسعة.

أما مطالبة المدعي العام لمحكمة الجنايات الدولية بالتحقيق في جرائم الحرب التي ارتكبتها إسرائيل فهو مطلب مهم رغم أن بعض المراقبين يُشككون في قدرة المدعي العام على القيام بذلك نتيجة ضغوطات اللوبي الصهيوني، إلا أنه إذا رضخ لتلك الضغوط، فإن هذا المطلب يشكل إحراجا له، وفضحا لازدواجية المعايير في مثل هذه المؤسسة الدولية، وكشفا للنفاق الغربي الذي تبدّى واضحا أمام العالم بعد عملية "طوفان الأقصى" التي أسقطت الأقنعة عن قوى كبرى تتشدق بالشعارات والكلام الأجوف، وتكيل بمكيالين، وهي ليست المرة الأولى على أية حال فقد سبق وأن رأينا هذا في الحرب الأمريكية على العراق في 2003 ولابد من الإشارة إلى بندين مهمين تضمنهما بيان قمة الرياض وهما البند رقم ثلاثة والبند رقم أربعة، حيث نصَّ البند الثالث على "كسر الحصار على غزة وفرض إدخال قوافل مساعدات إنسانية عربية وإسلامية ودولية، تشمل الغذاء والدواء والوقود إلى القطاع بشكل فوري، ودعوة المنظمات الدولية إلى المشاركة في هذه العملية، وتأكيد ضرورة دخول هذه المنظمات إلى القطاع، وحماية طواقهما وتمكينها من القيام بدورها بشكل كامل، ودعم وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأنروا)". أما البند الرابع، فقد نصَّ على "دعم كل ما تتخذه جمهورية مصر العربية من خطواتٍ لمواجهة تبعات العدوان الإسرائيلي الغاشم على غزّة، وإسناد جهودها لإدخال المساعدات إلى القطاع بشكل فوري ومستدام وكافٍ".

هذان البندان تكمن أهميتهما في طابعهما العملي الذي تفتقر إليه بقية البنود التي تضمنها القرار الختامي لقمة الرياض، وهو ما جلب الكثير من الانتقادات لمخرجات القمة العربية الإسلامية التي اعتبرها الكثير من المعلقين مخيبة للآمال لأنها اكتفت بخطاب إنشائي يطلب ويدعو، يناشد، ويكرر مفردات لم تعد تعني شيئا على أرض الواقع: الاستنكار، الشجب، الإدانة، وغياب للضغوطات، والإجراءات العملية التي يمكن أن تمارسها الدول لفرض قراراتها، أو تهدد باتخاذها، فلا إسرائيل ولا أمريكا تهتم كثيرا بقرارات الإدانة والشجب والاستنكار، طالما لم تكن مدعومة بضغوطات وعقوبات سياسية واقتصادية يمكن أن تلجأ إليها الدول العربية لتحقيق مطالبها. وهذا لم يكن موجودا في بيان القمة ببنوده الـ 31 حتى على سبيل التلويح بقطع العلاقات مع إسرائيل أو تجميدها أو وقف التعاون الاقتصادي معها...إلخ.

الحكومات العربية والإسلامية الـ 57 مطالبة بإيجاد الآليات والخطوات التنفيذية لقرارها القاضي "بكسر الحصار على غزة" الذي يُعدُّ قرارا دوليا صادرا عن منظمتين دوليتين، الجامعة العربية ومنظمة التعاون الإسلامي، مصر كما هو معروف تشرف على معبر رفح من الجانب المصري وعلى الجانب الآخر فلسطين قطاع غزة، ولامجال لاستمرار التدخلات الإسرائيلية في هذا المعبر مجددا بعد هذا القرار.