مقابل بطء إيقاع المسار السياسي لحل الأزمة الليبية، يشهد المسار العسكري والأمني نشاطا غير مسبوق بمشاركة كل الأطراف وفيهم من تحاربوا من قبل، في محاولة كما تردد لتوحيد مؤسسة الجيش والتمهيد للانتخابات المرتقبة، ما اعتبره عديد الليبيين خطوة إيجابية على طريق تفكيك الأزمة في البلاد والاقتراب من حلها.

ويبدو أن المبعوث الأممي إلى ليبيا السنغالي عبدالله باتيلي يحاول إنجاز ما فشل فيه أسلافه، متنبها إلى حقيقة أن من يملك القوة على الأرض هو العامل الرئيسي المؤثر في الوضع القائم، كما وضح ذلك في مراحل عديدة.

حضور غير مسبوق في اجتماع طرابلس
وعلى خطى اجتماع تونس منتصف الشهر الجاري، الذي كان عنوانه العريض تهيئة البيئة المواتية لإجراء الانتخابات، عادت اللجنة العسكرية المشتركة «5+5» إلى الاجتماع في طرابلس برعاية بعثة الأمم المتحدة، وهو الاجتماع الأوسع من نوعه منذ عشر سنوات، إذ ضم مجموعة من قادة الوحدات العسكرية من الشرق والغرب والجنوب، وبعض قادة المجموعات المسلحة بالمنطقة الغربية، فيما سيعقد اجتماع مماثل لاحق في مدينة بنغازي.

وحضر الاجتماع الذي ترأسه وزير الداخلية المكلف بالحكومة الموقتة عماد الطرابلسي، كل من رئيس «جهاز دعم الاستقرار» عبد الغني الككلي «غنيوة»، وآمر «قوة مكافحة الإرهاب» مختار الجحاوي، وآمر «قوة العمليات المشتركة» العميد عمر بوغدادة، وآمر «اللواء 444 قتال» محمود حمزة، وآمر «الكتيبة 301 مشاة» عبد السلام الزوبي.

أما وفد «القيادة العامة» فقد شهد مشاركة خيري التميمي مدير مكتب المشير خليفة حفتر، وآمر «اللواء 128 معزز» حسن معتوق، وآمر «لواء طارق بن زياد» عمر مراجع، إضافة إلى أعضاء اللجنة العسكرية المشتركة ووكيل وزارة الداخلية بحكومة فتحي باشاغا فرج قعيم.

مناقشة تشكيل قوة مشتركة خلال الاجتماع
وحاولت البعثة الأممية جس نبض مدى التزام المشاركين بمخرجات اجتماع تونس الأخير للعمل على تهيئة الظروف المواتية لإجراء الانتخابات هذا العام، إلى جانب الموقف من خطة بناء قوة تدخل سريع مشتركة لنشرها في المناطق الجنوبية.

وشدد باتيلى في بيان له على أن «قادة الوحدات الأمنية والعسكرية سيضطلعون بدورٍ مهمٍ في التوافق حول الترتيبات الأمنية، والقضايا الرئيسية الأخرى، التي ترافق المسار الانتخابي».

للاطلاع على العدد 384 من جريدة «الوسط».. اضغط هنا

اتفق المجتمعون على تسع نقاط هي: أن يكون الحوار ليبياً–ليبياً وداخل البلاد، ورفض التدخل الأجنبي في الشأن الليبي، بالإضافة إلى الالتزام الكامل بكل ما نتج عن حوار تونس، ونبذ الاقتتال والعنف بكافة أشكاله على كامل التراب الليبي، ومواصلة العمل على طريق توحيد المؤسسات العسكرية من خلال رئاسات الأركان، وتوحيد المؤسسات الأمنية وبقية مؤسسات الدولة، وإيجاد حكومة موحدة لكل مؤسسات الدولة الليبية، وزيادة المجهودات لحل مشكلات المهجرين والنازحين والمتضررين من الحروب.

وشمل الاتفاق استكمال جهود المصالحة الوطنية، وجبر الضرر، والمضي في مسعى الانتخابات، وحث مجلسي النواب والدولة على استكمال الإجراءات المنوطة بهما.

تقرير بعثة تقصي الحقائق في ليبيا
وفي توقيت لافت صدر تقرير بعثة تقصي الحقائق في ليبيا ليكشف مشاركة سلطات الدولة والأجسام التابعة لها، بما فيها جهاز الردع لمكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة، والجيش، وجهاز الأمن الداخلي، وجهاز دعم الاستقرار، وقياداتها، مرارا وتكرارا في انتهاكات وتجاوزات بحق المهاجرين والمدنيين، ما قد يشكل ضغطاً إضافياً على القادة العسكريين والأمنيين المشتبه في «تورطهم» في جرائم جرى رصدها من اللجنة الدولية.

وعقب لقاء جمع باتيلي برئيس المجلس الأعلى للدولة خالد المشري، وتلويحه مجدداً بالإجراءات البديلة في حال إخفاق اتفاقه مع رئيس مجلس النواب عقيلة صالح على إطار قانوني لإجراء الانتخابات، دعا المجلس الأعلى للدولة الأربعاء كافة أعضاء اللجنة المشتركة «6+6»، إلى الاجتماع في العاصمة طرابلس الأسبوع المقبل في إطار «السعي لإنجاز الانتخابات الرئاسية والتشريعية، طبقا للتعديل الدستوري الـ13 قبل نهاية هذا العام»، وذلك بعد انتهاء الهيئتين من تسمية أعضائهما.

الخلاف حول شروط الترشح للرئاسة
وترحّل ملف الخلاف «الملغوم» بشأن شروط الترشح للرئاسة إلى لجنة «6+6»، وهناك سيتعين على هذه اللجنة تفكيك هذا «اللغم» المعنون «ترشّح مزدوجي الجنسية والعسكريين» وجوهره تمسك بهذا المبدأ، يقابله رفض مجلس الدولة لما يعتبره «عسكرة النظام».

للاطلاع على العدد 384 من جريدة «الوسط».. اضغط هنا

وفيما اعتبر ردًا على دعوات إقصاء المشير خليفة حفتر، وحتى سيف الإسلام القذافي، وعبد الحميد الدبيبة، أوضح باتيلي متجاوزاً الأسماء والمسميات أنه «من غير المقبول استبعاد المرشحين من الانتخابات الرئاسية لأسباب سياسية» وفق ما أدلى به إلى قناة «فرانس 24» الفرنسية، ما يعد أول موقف صريح للأمم المتحدة من الخلاف في هذا الاتجاه، مضيفاً أن استبعاد مثل هؤلاء المرشحين «من شأنه أن يضر بشكل خطير بالوحدة الإقليمية للبلاد، وسوف يضر المجتمع الليبي بشكل خطير».

ويرى متابعون للشأن الليبي أن هذا التوجه قد يخدم موسكو المعنية بالمرشحين الذين قصدهم باتيلي، وهي ما فتئت تقتفي أثر أقدام واشنطن في ليبيا، ففي أعقاب زيارات متسارعة لوفود أميركية منذ بداية العام على رأسهم رئيس «سي أي ايه» ويليام بيرنز ومساعدة وزير الخارجية باربرا ليف ومسؤولين آخرين حلّوا بشرق البلاد وغربها، أعلن الكرملين عزمه إعادة بعثته الدبلوماسية وحلول سفير روسيا في ليبيا أيدار أغانين إلى طرابلس قريباً، فيما التقى وفد من مجلس النواب برئاسة النائب الثاني لرئيس المجلس عبدالهادي الصغير مع الممثل الخاص لرئيس الاتحاد الروسي للشرق الأوسط وأفريقيا نائب وزير خارجية روسيا ميخائيل بوغدانوف.

استمرار المخاوف الأميركية بشأن الدور الروسي
لكن واشنطن التي يقلقها «شبح فاغنر» الروسي في المنطقة، سبقت اللاعب الروسي بإطلاق البيت الأبيض استراتيجية عشرية تشمل الدول التي تمر بصراع سياسي بينها وبين ليبيا، وقال المبعوث الخاص للولايات المتحدة السفير ريتشارد نورلاند «إن هذه الاستراتيجية تؤكد التزام الولايات المتحدة بالوقوف إلى جانب الشعب الليبي ودعم التقدم نحو حكومة موحدة منتخبة ديمقراطياً يمكنها تقديم الخدمات العامة وتعزيز النمو الاقتصادي في جميع المجالات».

في هذا المناخ يتوقع كثير من الليبيين والمعنيين بالشأن الليبي أن تشهد الأسابيع والأشهر القادمة مزيد الحراك على مستوى المسارات السياسية والعسكرية والأمنية، وهو حراك قد يشهد استخدام سياسة العصا والجزرة في التعامل مع أطراف الأزمة من قبل واشنطن تحديداً، تحت عنوان رئيسي هو «تهيئة المناخ في ليبيا لإنجاز الاستحقاق الانتخابي قبل نهاية 2023».