Atwasat

سكان قطاع غزة يعيشون تحت وطأة اضطرابات ما بعد الصدمة

القاهرة - بوابة الوسط الأحد 13 يونيو 2021, 04:17 مساء
WTV_Frequency

«كنت آمل في أن نجدها حية تحت الركام» هكذا قالت علا اشكنتنا، وهي تحاول حبس دموعها وتحدق بشاشة هاتفها المحمول، متأملة صور شقيقتها الوحيدة وأبنائها الأربعة الذين قُتلوا في غارة إسرائيلية في قطاع غزة.

ثم تضع علا (30 عامًا) الهاتف جانبًا وتمسح عينيها اللتين أنهكتهما الدموع وهي تستقبل في غرفتها أخصائية نفسية تعمل في جمعية محلية تسعى لمساعدتها وغيرها من سكان غزة نفسيًّا بعد «حرب الأحد عشر يومًا» الأخيرة بين إسرائيل وقطاع غزة التي حصدت 260 قتيلًا في الجانب الفلسطيني بينهم 66 طفلًا، و13 قتيلًا في الجانب الإسرائيلي،و فق «فرانس برس».

ليلة دامية
وفي ليلة دامية في مدينة غزة، دمّرت الطائرات الحربية الإسرائيلية منزل عبير، شقيقة علا، في حي الرمال الذي تعرض لأكثر من مئتي غارة جوية إسرائيلية. بعد عشر ساعات، تمكنّت طواقم الدفاع المدني من إنقاذ رياض اشكنتنا (35 عامًا) وطفلته سوزي (8 سنوات) من تحت الركام، بينما لم تنجُ زوجته عبير وأربعة من أطفالهما.

- فلسطين المحتلة: سكان غزة يحاولون استعادة حياتهم الطبيعية ووعود بالمساعدات
- الفلسطينيون يبحثون عن مستقبل غزة الاقتصادي تحت أنقاض المصانع المدمرة

وتقول علا، وهي أم لثلاثة أطفال، «لا أتوقف عن تخيّل شعور أختي وأبنائها وهم أحياء لساعات تحت الركام، أشعر بصدمة وخوف من فقدان أبنائي». وترفض الشابة عرض الأخصائية الحصول على أدوية مهدئة، وتقول «أخشى الإدمان على المهدئات». في غرفة مجاورة، تجلس سوزي في حضن والدها الذي يشجعه الطبيب النفسي حسن الخواجا الناشط في الجمعية أيضًا، على الخضوع لجلسات علاج نفسي.

ويرد الأب «أشعر بالاختناق». ويقول رياض الذي يتجنب الحديث مع أي شخص منذ الحادثة، بحسب عائلته، «فكرت بالانتقال لأعيش إلى جوارهم في المقبرة». ويتابع مشككًا بقدرة العلاج النفسي على مساعدته: «صدمتي كبيرة، كيف سيتغير ما أشعر وأفكر به؟ لا يمكن أن أعود كما كنت».

انتكاسة
علا ورياض اثنان من بين كثيرين من سكان قطاع غزة تحت تأثير الصدمة. وقد أدى التصعيد الأخير إلى تدمير أكثر من ألف وحدة سكنية، وفق سلطات القطاع الذي خاض أربع حروب مع إسرائيل منذ العام 2008.

ويدرك الأطباء وعلماء النفس الذين يعيشون في الجيب الساحلي الفقير، حيث يوجد نحو مليوني نسمة، أن إعادة إعمار قطاع غزة تتجاوز بناء المباني.

ويقول الطبيب الخواجا: «هذه ليست الحرب الأولى في غزة، عدد كبير من الناس يعانون اضطرابات ما بعد الصدمة. مع كل حرب، هناك صدمات جديدة». ويتابع: «أتوقع أزمة اضطرابات ما بعد الصدمة في الأشهر المقبلة»، مشددًا على أن النزاعات المتكررة تضع المرضى في مواجهة انتكاسات مثل اضطراب الضغط الحاد، مع أعراض تشمل الصدمة والإنكار.

كما يوضح الخواجا أن التأخر في التدخل العلاجي يمكن أن يتطور، الأمر الذي يمثل تحديًا للأطباء النفسيين في القطاع، إذ عليهم مواجهة «انفجار» الحالات. ويشدد على ضرورة أن تكون هناك فرق متخصصة على الأرض، قائلًا: «بعد الحرب، نذهب الى الأرض، لكن لا يمكننا أن نقيم ببساطة معاناة الأشخاص، ثم نقول لهم وداعًا. يجب أن نتمكن من مساعدتهم».

 إنكار
في مستشفى العودة في مدينة جباليا شمال غزة، يرقد الشاب بلال الداي (24 عامًا) على سرير الشفاء بعد أن أُصيب بجروح في غارة إسرائيلية شرق مدينة غزة.

ويروي الداي الذي تم تجبير ساقه اليسرى: «كنت أشرب الشاي عند باب منزلي العاشرة مساء حين سمعت صوت قصف مقابل بيتنا». ويضيف: «رأيت جارنا مصابا ويستغيث. ذهبت لمساعدته لكن ما أن حملته حتى أصابني صاروخ آخر».

ويستطرد: «كانت الجثث والأشلاء في كل مكان والدخان يغطي المنطقة. زحفت 15 مترًا إلى الخلف، لعلّ أحدًا يتمكن من رؤيتي والوصول لمساعدتي... حتى جاء أخي وحملني إلى المستشفى». إلى جوار سريره، يقف الأخصائي النفسي في منظمة «أطباء بلا حدود» محمود عوض، وهو يراقب بلال ويوضح أنه يمر بمرحلة اضطراب حاد.

ويشرح عوض كيف أن الشاب «يعاني من الصدمة والإنكار، إذ يميل إلى تعميم كل شيء دون الحديث عن نفسه». ويضيف: «نحاول أن ندفعه للحديث، نريد تجنب تطور الحالة إلى اضطراب ما بعد الصدمة» (بي تي إس دي).

 لا مكان آمنًا
ورغم أن الحرب الأخيرة على القطاع كانت أقصر من التي سبقتها في العام 2014 وأوقعت عددًا أقل من القتلى، إلا أن «تداعياتها النفسية ستكون أكثر حدة»، بحسب مدير برنامج غزة للصحة النفسية، الطبيب ياسر أبو جامع.

ويتساءل أبو جامع: «كيف يمكنك أن تطمئن طفلك عندما يتواصل القصف لأكثر من نصف ساعة؟». ويقول: «الأمر مستحيل، نخبر الناس بأنهم بحاجة للعيش في مكان آمن ليشعروا بالأمان، لكن في غزة لم يكن هناك مكان آمن على مدار 11 يومًا».

وتعجز الخدمات الصحية النفسية المتوفرة في قطاع غزة عن تلبية الطلب على العلاج النفسي، خصوصًا في ظل نقص عدد الأطباء النفسيين إلى جانب عدم توفر دراسة تخصص الطب النفسي في جامعات القطاع. ويشكك بعض المتخصصين في مفهوم اضطراب ما بعد الصدمة في قطاع غزة. ويقول الأخصائي النفسي سمير زقوت: «لا يوجد اضطراب ما بعد الصدمة، لأنها صدمة مستمرة».

ويوضح: «الشفاء من الصدمة يعني أن تعيش في مكان آمن، لكن في غزة لا يوجد مكان آمن». وبحسب زقوت: «يمكنك التحدث عن التكيف والصمود، لكن لا يمكنك العلاج حقًّا».

المزيد من بوابة الوسط

تعليقات

عناوين ذات صلة
أكاديميون يتهمون سوناك بـ«إثارة الذعر» في الجامعات البريطانية بسبب تظاهرات داعمة لغزة
أكاديميون يتهمون سوناك بـ«إثارة الذعر» في الجامعات البريطانية ...
روسيا تعلن السيطرة على 4 بلدات جديدة في منطقة خاركيف الأوكرانية
روسيا تعلن السيطرة على 4 بلدات جديدة في منطقة خاركيف الأوكرانية
34 قتيلاً و16 مفقوداً جراء الفيضانات في إندونيسيا
34 قتيلاً و16 مفقوداً جراء الفيضانات في إندونيسيا
استمرار التظاهرات الطلابية ومسيرات عالمية تنديدا بالإبادة الجماعية في غزة
استمرار التظاهرات الطلابية ومسيرات عالمية تنديدا بالإبادة ...
هل تكبح العقوبات الأميركية عنف المستوطنين الصهاينة في الضفة الغربية؟
هل تكبح العقوبات الأميركية عنف المستوطنين الصهاينة في الضفة ...
المزيد
الاكثر تفضيلا في هذا القسم