Atwasat

الأزمة الاقتصادية تجبر اللبنانيين العودة إلى قراهم

القاهرة - بوابة الوسط السبت 04 ديسمبر 2021, 03:39 مساء
WTV_Frequency

وُلدت ثريا في أحد أحياء بيروت ونشأت فيه. لكن سلسلة من الأزمات المتلاحقة جعلت الحياة في العاصمة لا تُحتمل ودفعتها إلى بدء اختبار نمط جديد من العيش في الريف بعيدًا عن ضوضاء المدينة، حيث تقول الشابة البالغة من العمر 28 عامًا لوكالة «فرانس برس» وسط أرض خصبة مزروعة بأشجار الأفوكادو في جنوب لبنان «بات العيش في المدينة بائسًا جدًا». 

وتضيف: «العنف الهادئ في حياة المدينة يستنزف منك الطاقة والمال والإنفاق بات الأمر يفوق القدرة على الاحتمال»، على وقع الأزمة الاقتصادية غير المسبوقة في لبنان والتي فاقمتها القيود المرافقة لتفشي وباء «كوفيد-19» ثم انفجار مرفأ بيروت المروع صيف العام 2020، فقد كثرت القدرة على العيش في العاصمة وبات البعض غير قادر على تحمل التكاليف الآخذة في الارتفاع.

النزوح العكسي إلى القرى والبلدات
وبذلك، بات النزوح العكسي إلى القرى والبلدات الريفية بمثابة طوق نجاة لعديدين بصفته الخيار المتاح للحدّ من الأعباء المالية ولإعادة نسج العلاقة المنسية مع أرض الأجداد وإرثها الزراعي، وفي أكتوبر، انتقلت ثريا إلى مسقط رأسها قرية سيناي في جنوب البلاد للإقامة في منزل من طابقين بناه والدها، واتخذت قرارها بعدما طالبها مالك المنزل حيث كانت تقطن في بيروت بمضاعفة بدل الإيجار الشهري أربع مرات، في حين أن فواتير الاشتراك في مولد الكهرباء وكلفة النقل العام تتضخم بشكل يفوق قدرات السكان الشرائية.

توضح ثريا «وجدت أنه لا معنى لبقائي في بيروت وسط ظلام دامس والقمامة المنتشرة في كل مكان وانعدام الشعور بالأمان»، معتبرة أن المدينة بدت «عدائية بشدة لدرجة جعلتها غير مألوفة»، حين لا تعمل عن بعد لصالح منظمة غير ربحية، تقضي الشابة معظم وقتها في مزرعة عائلتها وتكتشف كيف تبدو النباتات وهي عطشى وكيف تغدو الثمار حين تنضج.

عبر موقع «يوتيوب»، تتعلّم تقنيات تشذيب الأشجار وتتواصل مع المزارعين المحليين للحصول على نصائح حول أفضل سبل للاهتمام بالأرض الزراعية التي تأمل أن تتولى إدارتها ذات يوم، وتشرح «نحن بصدد زرع موسم جديد وأنا متحمسة تمامًا لذلك، أود أن أتابع الزرع من غرس البذور حتى الحصاد، أن أكون حاضرة في المراحل كافة».

في بلد لم يجر فيه أي إحصاء رسمي منذ العام 1932، يتوفر القليل من البيانات حول التحوّل الديموغرافي في الحياة الريفية، وبحسب شركة الدولية للمعلومات، انتقل أكثر من 55 ألف شخص إلى المناطق الريفية، ويرتبط ذلك في الغالب بتداعيات الانهيار الاقتصادي الذي صنّفه البنك الدولي من بين الأسوأ في العالم منذ العام 1850.

وبحسب برنامج الأمم المتحدة للمستوطنات البشرية في لبنان، فقد أبلغ بعض رؤساء البلديات ورؤساء اتحادات البلديات عن زيادة في عدد الأشخاص المنتقلين إلى الأرياف، في غياب توفر أدلة بالأرقام، ولا يرجح البرنامج حدوث هجرة عكسية كبيرة نحو المناطق الريفية. وتشرح تالا قمورية من وحدة التحليل والسياسات الحضرية في البرنامج لوكالة «فرانس برس» أن «من المتوقع أن يؤدي انعدام خطط التنمية الريفية وطابع المركزية الشديدة للبنان إلى ردع التحضر المضاد على المدى الطويل». 

خلال العقود الأخيرة، انتقل الكثير من سكان القرى لا سيما الشباب إلى المدن الكبرى حيث تتوافر فرص أكبر في مجالات التعليم والعمل والخدمات التي شكلت ركيزة أساسية في الاقتصاد، مقابل إهمال للزراعة التي لا توفر مدخولًا ثابتًا في غياب سياسات دعم رسمية.

في حقل قرب قرية كفرتبنيت في جنوب لبنان، ينثر حسن طراد (44 عامًا) بذور الصعتر، الزراعة التي بدأ التخصص بها بعدما أمضى 18 عامًا في بيروت شعر خلالها بـ«الاختناق» على حدّ قوله.

ويقول لـ«فرانس برس» «شكّل انتقالي إلى القرية هروبًا من ثلاث أزمات»، بدءًا من تكوم النفايات في شوارع بيروت وضواحيها ثمّ الانهيار الاقتصادي فتفشي فيروس كورونا، وبدأ حسن، الذي يعمل عن بعد كمصمم رسوم في صحيفة محلية يومية، الانتقال جزئيًا إلى دبين، قريته الجنوبية، بدءًا من العام 2016 قبل أن يستقر نهائيًا فيها خلال العام الماضي، بعد انفجار مرفأ بيروت. ويدير فيها أحد مشاريعه الزراعية أيضاً.

في الجنوب، يدفع حسن حاليًا نصف قيمة الأقساط المدرسية التي كان يتكبدها في بيروت لتعليم ثلاثة من أطفاله الأربعة. ويوضح «استغللت الأزمة واقتربت أكثر من العمل في الأرض والزراعة وبات لديّ انتماء أكبر لقريتي»، وبعدما دمّر انفجار المرفأ منزله وأصابه بجروح بليغة، وجد الكاتب إبراهيم نعمة في منزله في قرية بشمزين (شمال) مساحة للتعافي، في مقال نشره مؤخرًا، كتب الشاب (35 عامًا) «الانفجار الذي جعلني أفقد الاتصال بأرضي قادني في نهاية المطاف إلى إدراك مدى ارتباطي بأرضي». 

في يونيو، غادر بيروت ليقيم في شقة صغيرة قرب البحر، تبعد عشرين دقيقة عن مسقط رأسه حيث حقول زيتون عائلته، ورغم أنه ليس مستعدًا بعد للالتزام كليًا بأسلوب حياة القرية، إلا أنه بدأ يدرك دوره في حماية إرث أجداده الزراعي، ويقول لـ«فرانس برس» أنا مرتبط بـ«الأرض هنا ومتجذّر فيها لديّ أشجار الزيتون وسيتعين عليّ في يوم من الأيام الاعتناء بها».

المزيد من بوابة الوسط

تعليقات

عناوين ذات صلة
شركات عالمية تستثمر 125 مليار دولار في 30 مشروعا نفطيا بالشرق الأوسط خلال 2024
شركات عالمية تستثمر 125 مليار دولار في 30 مشروعا نفطيا بالشرق ...
إيران تبرم سلسلة عقود بـ13 مليار دولار لزيادة إنتاجها النفطي
إيران تبرم سلسلة عقود بـ13 مليار دولار لزيادة إنتاجها النفطي
«الاحتياطي الفدرالي» الأميركي يستعد لتقديم مؤشرات جديدة بشأن خفض الفائدة
«الاحتياطي الفدرالي» الأميركي يستعد لتقديم مؤشرات جديدة بشأن خفض ...
المزارعون الإسبان يتظاهرون مجددا في مدريد بالجرارات
المزارعون الإسبان يتظاهرون مجددا في مدريد بالجرارات
أسعار النفط ترتفع بعد الهجمات على المصافي الروسية
أسعار النفط ترتفع بعد الهجمات على المصافي الروسية
المزيد
الاكثر تفضيلا في هذا القسم