لم تكن منازل مدينة بنغازي، حتى سنة 1950، مربوطة كلها بشبكة مياه. كان بكل منزل لم يوصل بشبكة المياه زير كبير من الفخار يملؤه «الورّاد» أو السقا يوميا بالمياه، وكانت السقا مهنة توفر دخلًا يوميًّا زمن ذلك العوز، كانت مياه الشرب تعبأ من «شيشمة البلدية» بسيدي حسين، ويتولى «الورادون» الطواف على الشوارع وبيعها مقابل «ملاليم».
سعد فرج بن عمران، الذي ولد في بنغازي 1929، ابتدأ صباه بهذه المهنة، أيام الإدارة البريطانية، ولكن بعد قيام إمارة برقة، التحق بقوة دفاعها، واهتم بتعلم اللغة الإنجليزية وطورها بالمراسلة، فمهدت له الترقي في أقسام البوليس، إلى أن اختِير، بعد استقلال ليبيا سنة 1951 وقيام المملكة الليبية المتحدة، للعمل بقسم المباحث العامة.
في النصف الأول من الخمسينات، استحدث قسم مراقبة الأجانب، ثم تطور، فيما بعد، إلى مكافحة الجاسوسية، وأصبح سعد بن عمران أحد أعضائه ثم رئيسه، كان قد أوفد لدورات متقدمة في علوم البحث الجنائي في بريطانيا، ثم في أميركا، وتحصل على أكثر من دبلوم في التحقيقات الجنائية الإجرامية، إلى أن ترأس قسم البحث الجنائي في المنطقة الشرقية معايشًا تطوره وتسمياته التي وصلت إلى إدارة الأمن الداخلي. في أواخر السبعينات من بعد هوجة اعتقالات 7 أبريل، وتسلط اللجان الثورية، لفقت له تهم لرفضه الكثير من الممارسات، واعتقل وعذب ثم أُطلق من بعد أن فقد إحدى عينيه.
في مثل هذا اليوم منذ اثتني عشرة سنة رحل عنا رجل الأمن الشريف، الذي أنقـذ الكثيرين ممن اعتقلوا بتهم واهية يعلم جيدًا أنهم أبرياء منها، ويعلم الجيل الذي عاصر أيام العسف أنه أنقذ الكثيرين ممّا لا تحمد عقباه.
شهود كثيرون أكدوا ذلك أحدهم أخبرنا أنه اتصل به ذات ليلة وأخبره أن يسافر سريعًا ويخبر صديقا له أنه مطلوب ولو نفذ أمر القبض عليه فلن يرى النور ثانية، وبالفعل سافر ونبهه، ولم يعد إلى البلاد إلا بعد فبراير 2011، وآخر شهد أنه طلب منه أن يتصل بسيدة أجنبية متزوجة، وينبهها أن رسائلها إلى زوجها المسجون تقرأ من دون علمه، وعليها أن تنتبه إلى خصوصياتهما.
كثيرة هي المواقف المشرفة التي قام بها، ولعل دوره في قضية النادي الأهلي هو الذي جعله هدفًا لنظام اللجان الثورية التي رفض أن يكون ضمنها، فاعتقل وعذب وأُفرج عنه متهالكًا إلى أن وسد ثرى مقبرة الهواري في 18/7/2008.
تعليقات