Atwasat

ليبيا رهينة الميليشيات المسلحة

القاهرة - بوابة الوسط الإثنين 31 مارس 2014, 06:48 مساء
WTV_Frequency

عندما قامت ميليشيا تسيطر على موانئ ليبيا الشرقية بتحميل ناقلة ترفع علم كوريا الشمالية بالنفط، في وقت سابق من هذا الشهر، قرر المؤتمر الوطني العام عزل رئيس الوزراء، ولجأ إلى القوات الأميركية الخاصة لإعادة الحمولة إلى ليبيا.

على مدى أيام هددت الحكومة بنسف الناقلة مورنينغ غلوري إذا غادرت الميناء الليبي، وعندما أبحرت فعلاً طاردتها ميليشيات مؤيدة للحكومة بزوارق تحمل سيارات جيب، مركب عليها مدافع مضادة للطائرات ومدافع أخرى.

لكن هذا المسعى لم ينجح، وعندما وصلت الناقلة للمياه الدولية قرر المؤتمر الوطني عزل رئيس الوزراء علي زيدان الذي فر إلى أوروبا، وبعد بضعة أيام اعتلت قوات أميركية خاصة الناقلة لوضع نهاية لهذه الكارثة.

الناقلة مورنينغ غلوري
يعد حادث الناقلة مورنينغ غلوري من أبرز الأمثلة حتى الآن على مدى ضعف السلطة المركزية في ليبيا. فبعد ثلاث سنوات من الإطاحة بالزعيم الليبي معمر القذافي بدعم من حلف شمال الأطلسي أصبحت ليبيا تحت رحمة ألوية متنافسة من المقاتلين المدججين بالسلاح الذين حاربوا لإسقاط القذافي والآن يتحدون الدولة الجديدة علانية.

ولا يكاد برلمان ليبيا يتفق على شيء، كما أن حكومتها الموقتة لا تملك جيشًا تفرض به الأمن وإرادتها، ولم يتم حتى الآن وضع دستور جديد.
وفي هذا الفراغ خطف مقاتلون سابقون زيدان لفترة وجيزة من غرفته بفندق في طرابلس، واقتحموا وزارة الخارجية واستولوا على وزارة الداخلية حتى قبل المحاولة الفاشلة لتصدير النفط للخارج.

ويمزح أعضاء المؤتمر الوطني قائلين إنّهم قد يضطرون لاستخدام الأنفاق السرية التي بناها القذافي تحت العاصمة حتى يمكنهم الهرب من المسلحين. وقال زيدان من ألمانيا حيث هرب: "لا يوجد جيش. لا يوجد جيش. كنت أعتقد أنّه يوجد جيش لكن بعد خبرتي عرفت. لا يوجد جيش".

وبالنسبة لكثير من الليبيين انتهت الفرحة بالحرية وحل محلها شعور بالارتباك. فقد انزلقت ليبيا إلى خلافات على شكل الدولة مستقبلاً تنافس فيها قادة قوات المعارضة السابقون ومنفيون سابقون وإسلاميون وزعماء قبائل إلى جانب الاتحاديين كل يسعى لتكون له الصدارة. وأصبح الخطر محدقًا باستقرار البلاد وسلامة أراضيها.

وقد نجحت تونس مهد انتفاضات الربيع العربي في تطوير انتفاضتها. فقد تمت الموافقة على دستور جديد في يناير، وأخذت الأحزاب الإسلامية والعلمانية مواقف وسطًا ومن المقرر إجراء انتخابات هذا العام. أما ليبيا فمازالت تتعثر.

وقال دبلوماسي غربي: "كانت هناك فرحة غامرة صاحبت الإطاحة بالدكتاتور، لم تأخذ في الاعتبار بعض حقائق الواقع الصارخة، فما الفكرة الدافعة للوحدة هنا".
وأضاف: "ليس الأمر كأن الإطاحة بالقذافي ستعني أن الصندوق سينفتح وستخرج منه دبي. فكل المشاكل التي تمت التغطية عليها أو التستر عليها بالرشوة أو بالقوة بدأت تطل برأسها من جديد".

خلع الضرس
يجري وزير الكهرباء علي محمد محيريق اتصالات هاتفية لحل مشكلة انقطاع الكهرباء المتكرّرة في طرابلس، وهو يدرك أكثر من غيره مدى صعوبة إدارة دولاب العمل من جديد في البلاد. فقد عاد الوزير إلى ليبيا بعد أن أمضى 30 عامًا في كندا وأصبح مسؤولاً لا عن الكهرباء فحسب، بل إنّه أمضى العام الأخير يقوم بدور الوسيط والمفاوض بين الفئات المتعددة في البلاد.

وقال واصفًا محاولة إقناع المقاتلين السابقين بإلقاء السلاح والتخلي عن قواعدهم: "الأمر أشبه بخلع الضرس، فهو مؤلم وصعب وتحتاج أحيانًا لمخدر، فلدينا جماعات مسلحة قوية، ولحسن الحظ أو لسوئه فهم لا يتفقون مع بعضهم البعض وهو ما يبقي على استمرار هذه العملية".

وتفاوضت الحكومة مع قادة الميليشيات للتخلي عن مواقعهم التي استولوا عليها حين حرروا طرابلس. ويعمل الجيش على ضم المزيد من المجندين، كما أن الحكومة استوعبت مقاتلين سابقين بإدراج الآلاف منهم على قوائم أجور الدولة.

ويبدو أن مجموعات الثوار السابقين والجماعات السياسية والقبائل تتمسك برؤيتها الخاصة لمستقبل البلاد أكثر من استعدادها لقبول الحلول الوسط التي يتطلبها إقامة دولة موحدة.

إلا أن كثيرًا ما أسفر ذلك عن تمكين ميليشيات متنافسة وخلق خليطًا من القوى الأمنية والوحدات العسكرية شبه الرسمية. فحتى إذا خرج زائر بسيارة في جولة عابرة خارج العاصمة، فسيمر بنقاط تفتيش عليها حراس لا تبيّن ملابسهم العسكرية القديمة انتماءاتهم. ويبدو أن مجموعات الثوار السابقين والجماعات السياسية والقبائل تتمسك برؤيتها الخاصة لمستقبل البلاد أكثر من استعدادها لقبول الحلول الوسط التي يتطلبها إقامة دولة موحدة.

وفي بنغازي بشرق البلاد استولت مجموعة من قوى الأمن السابقة لقطاع النفط انشقت بقائدها إبراهيم الجضران في الصيف الماضي على ثلاثة موانئ رئيسية سعيًا لتحقيق قدر أكبر من الحكم الذاتي للمنطقة.

كما استهدف الأمازيغ الذين ظلوا لسنوات طويلة يشعرون أن الأغلبية العربية تضطهدهم البنية التحتية لصناعة النفط في البلاد. وأغلق مسلحون من الأمازيغ حقل الشرارة النفطي الحيوي شهرين في العام الماضي للمطالبة بحقوق أكثر في الدستور الجديد.

واتهمت ميليشيا إسلامية اسمها غرفة عمليات ثوار ليبيا بخطف رئيس الوزراء السابق زيدان واختطاف خمسة دبلوماسيين مصريين لفترة وجيزة في طرابلس لتأمين إطلاق سراح قائدها شعبان هدية الذي أُلقي القبض عليه في مصر.

كما أنّ ميليشيات متنافسة تؤيد جماعات متنافسة في البرلمان الليبي المنقسم؛ حيث يقف الإسلاميون ويمثلهم حزب العدالة والبناء التابع لجماعة الإخوان المسلمين في مواجهة تحالف القوى الوطنية الذي يضم أحزابًا وطنية وليبرالية بقيادة مسؤول سابق من عهد القذافي.

لكن أقوى مجموعتين في البلاد توجدان غرب العاصمة، وأولاهما في منطقة الزنتان الجبلية والأخرى في مدينة مصراته الساحلية. وترتبط كل منهما ارتباطًا فضفاضًا بجماعة سياسية مختلفة، ولا تبدي أي منهما استعدادًا للتخلي عن السلاح أو الاصطفاف وراء الحكومة.

وقال خالد محمد وهو من القادة العسكريين السابقين في الزنتان: "نحن نحتفظ بأسلحتنا، لا لأننا نريد القضاء على الدولة بل ننتظر حتى يظهر تنظيم حقيقي".

الرؤية من الزنتان
كان محمد مديرًا لمتجر سوبر ماركت خلال سنوات حكم القذافي، ورفع السلاح في أوائل الانتفاضة في البداية دفاعًا عن مدينته ثم للإطاحة بالقذافي.

وهذه الأيام لدى محمد إحساس جديد بالغضب، ففي الزنتان المدينة الفقيرة التي يسكنها نحو 35 ألف نسمة على مسافة 140 كيلومترًا غرب طرابلس، يشكو محمد مثل كثيرين من سكانها أنه لم ير شيئًا يذكر من الثروة النفطية أو التنمية، التي يعتقد أن العاصمة ومدنًا أخرى تتمتع بها، ويتحسر على نقص الخدمات الأساسية والمدارس الجديدة والمستشفيات بل ومجرد إمدادات المياه.

وقال محمد: "النصر في هذه الحرب كان هبة من الله وتحقق بشجاعة أهل الزنتان. وماذا نلنا؟ لم نشهد أي تغيير. والآن نحن في حرب مختلفة حرب سياسية. لكنهم يحاربون فقط من أجل مكسب خاص لا مثل تضحياتنا".
وقال محمد الوقواق رئيس مجلس محلي مدينة الزنتان: "أهل الزنتان شعروا أن من واجبهم القتال. ولم يكافؤوا على هذا الواجب".

وهذا أحد الأسباب التي جعلت هذه الجماعة تتشبث بأكبر غنيمة حصلت عليها، وهي سيف الإسلام نجل القذافي الذي ألقى أهل المدينة القبض عليه ومازالوا يحتجزونه رغم مطالب طرابلس والمحكمة الجنائية الدولية في لاهاي بتسليمه.

ويقول قادة المجلس المحلي: "إنّ سيف الإسلام سيظل محتجزًا في الزنتان ويحاكم فيها لأنها المكان الوحيد الذي يمكن أن يضمن أمنه. حيث إن طرابلس لا تستطيع حتى حماية رئيس الوزراء".

نموذج مصراته
على مسافة 160 كيلومترًا من الزنتان تقع مدينة مصراته الساحلية التي ازدهرت منذ انتفاضة 2011. فقد شهد ميناؤها وهو أكبر الموانئ الليبية تفريغ عدد قياسي من الحاويات العام الماضي، كما أن لديها خططًا كبيرة لإقامة فنادق ومراكز تجارية ومدارس للغات الأجنبية.

وعانت مصراته بعضًا من أسوأ الاشتباكات خلال الانتفاضة على القذافي. لكن بها الآن عشرات المنافذ الجديدة لشركات بيع الملابس والمطاعم. وقال محمد السويح مدير هيئة المنطقة الحرة بميناء مصراته، وهو يعدد فرص العمل للشركات الأجنبية: "تجربة الحرب جعلت الناس يعملون معًا ويساعدون بعضهم البعض".

ولدى الدبلوماسيين تفسير آخر للوضع الأمني الأفضل في مصراته، وهو أن وحدات عسكرية نظامية تفحص كل السيارات القادمة إلى المدينة، وهو أمر نادر في بقية أنحاء ليبيا. كذلك فإن رجال الأعمال في مصراته يدفعون للمقاتلين السابقين نظير توفير الأمن.

وأهل مصراته مقتنعون أن مدينتهم يمكن أن تكون نموذجًا لليبيا كلها. وقال بشير الطرابلسي رئيس المجلس الليبي لرجال الأعمال: "نحن في مصراته بدأنا في يوليو 2011 خطة للتنمية الصناعية المستقبلية. أما في بنغازي فقد انتهت الثورة في ثلاثة أيام لكنهم لم يخططوا لشيء لفترة طويلة".

وتمثل قوات مصراته الجانب الأكبر من درع ليبيا، وهي القوة المسلحة شبه الرسمية التي أنشأها البرلمان الانتقالي لحماية طرابلس من عودة القوات الموالية للقذافي للظهور.
ورغم أن كثيرين يعتبرون قوة الدرع ذات ميول إسلامية، فهي العمود الفقري المحتمل لجيش المستقبل. كما أنها تمثل ثقلاً موازيًا لألوية الزنتان.

مهمة صعبة
أحد الأسباب الرئيسية التي جعلت ليبيا تفشل في جمع شتات نفسها بعد الانتفاضة ذلك الغياب شبه الكامل لمؤسسات قوية للدولة.

فقد كان أول حاكم لليبيا الحديثة هو الملك إدريس الذي كان منكفئًا على الداخل، وبقي معظم حكمه في شرق البلاد. وتلاه القذافي الذي شكّل البلاد على الصورة التي استهوته.

وتجنب الاثنان إنشاء مؤسسات للدولة وأجهزة محاسبة المسؤولين واعتمدا بدلاً من ذلك على القبائل وسخاء الدولة والوظائف بشركات النفط العالمية. وأسهم ذلك في شراء ولاء الأتباع، وخفف من التوترات الاجتماعية.

إلا أنه في حين تضخم عدد العاملين في الدولة ليصل إلى نحو 1.2 مليون ليبي أي نحو 20 في المئة من السكان يعملون بالحكومة والقطاع العام لقيت المؤسسات الإهمال.

وقال علي محمد سالم نائب محافظ البنك المركزي: "كل شخص يبحث عن مصلحته ولا يعمل كشعب". وقدر أن إقامة دولة تتمتع بالكفاءة سيستغرق خمس سنوات على الأقل.

وسعت الأمم المتحدة والحكومات الغربية لإقناع الجماعات المختلفة في ليبيا باستمرار المرحلة الانتقالية ماضية في طريقها. وتم اختيار لجنة لبدء كتابة الدستور، ووافق البرلمان على إجراء الانتخابات في أقرب فرصة ممكنة.

وقال دبلوماسي غربي آخر: "من الضروري أن يتوصلوا إلى نوع من التوافق الوطني على الشكل الذي يريدون أن تكون البلاد عليه. ما أسهل القول وما أصعب الفعل. ولإنجاز ذلك يحتاجون لزعامة سياسية".

ويجري تدريب الجيش بمساعدة أميركية وبريطانية وإيطالية وتركية. لكن أغلب برامج التدريب مازالت في بداياتها. وقال شعبان هدية قائد المجموعة، التي قيل إنّها اختطفت زيدان والدبلوماسيين المصريين، إن جماعته تعمل في واقع الأمر على حفظ الأمن.

وقال: "نحن الآن بديل حتى يتم إنشاء الجيش والشرطة. البلد يعيش الآن في مستنقع وذلك لأن حكومتنا ضعيفة". وبالنسبة لوزير الكهرباء محيريق فإن التقدم بطيء لكنه مستمر.

وقال: "الطريق طويل قبل أن يدرك الليبيون أهمية بناء الديمقراطية وبناء دولة، وأن استخدام السلاح لم يعد خيارًا مطروحًا. الشهور الثلاثة إلى الخمسة المقبلة حرجة للغاية بالنسبة لليبيا وستحدد مسار الدولة".

المزيد من بوابة الوسط

تعليقات

عناوين ذات صلة
النيابة العامة: إخلاء عقار مستولى عليه عام 2012 في بنغازي
النيابة العامة: إخلاء عقار مستولى عليه عام 2012 في بنغازي
شاهد «اقتصاد بلس»: الاقتصاد الرقمي.. هل تنجح خطط الحكومتين في ليبيا؟
شاهد «اقتصاد بلس»: الاقتصاد الرقمي.. هل تنجح خطط الحكومتين في ...
وفاة العلامة الليبي عبداللطيف الشويرف عن عمر ناهز 93 عامًا
وفاة العلامة الليبي عبداللطيف الشويرف عن عمر ناهز 93 عامًا
شاهد في «وسط الخبر»: أحزاب ليبيا تدرس في واشنطن الأزمة الليبية
شاهد في «وسط الخبر»: أحزاب ليبيا تدرس في واشنطن الأزمة الليبية
خوري والسفير الروسي يبحثان العملية السياسية الليبية
خوري والسفير الروسي يبحثان العملية السياسية الليبية
المزيد
الاكثر تفضيلا في هذا القسم