أكد تقرير دولي مساعي سلطات إنفاذ القانون سواء في شرق أو غرب ليبيا للاستفادة سياسيا وماليا من السيطرة على أدوات مكافحة تهريب البشر، بعدما أصبحت هذه العمليات أكثر تعقيدا بشكل ملحوظ في العام 2022، بما يتماشى مع النضج السياسي العام للمجموعات المسلحة في البلاد.

وينقسم تاريخ ظاهرة تهريب البشر والاتجار بهم في ليبيا إلى ثلاث مراحل نشأت الأولى في العام 2011 والثانية استمرت من 2014 إلى 2017، وهنا نتجت في المقام الأول عن الشراكة الوثيقة بين الجماعات المسلحة الرئيسية والمهربين الليبيين والأجانب وفق ما ذكرت المبادرة العالمية لمكافحة الجريمة المنظمة «غلوبال أنتياتف» في آخر تقرير لها.

وأدى ذلك إلى ظهور شبكات معقدة وعابرة للحدود الوطنية كانت قادرة على نقل أعداد ضخمة من المهاجرين من شرق وغرب أفريقيا إلى الساحل الليبي ومنها إلى أوروبا، وانتهت هذه الحقبة في أواخر العام 2017، لتحل مكانها حقبة ما بعد الأزمة المتمثلة في قمع شبكات التهريب وانخفاض مستويات المغادرة بشكل كبير، والذي استمر من العام 2018 حتى نهاية العام 2020.

سيطرة الميليشيات على مجال إدارة الهجرة
وأشار تقرير «غلوبال أنتياتف» إلى استيلاء الميليشيات على دور الدولة في مجال إدارة الهجرة بشكل مباشر أو عبر المشاركة غير المباشرة في احتجاز المهاجرين غير الشرعيين ومراقبة تدفقات الهجرة سواء في الداخل أو البحر.

وفسر التقرير انتعاش توافد المهاجرين إلى ليبيا في السنوات الأخيرة إلى ظواهر دولية تتمثل في ارتفاع التضخم وانخفاض مستويات المعيشة في جميع أنحاء العالم ما أثر على تهريب البشر في ليبيا، فقد كان النمو خلال العام 2022 مدفوعا في المقام الأول بما يسمى «الهجرة الهجينة» إذ يسافر المصريون والبنغاليون وبدرجة أقل السوريون إلى ليبيا ومنها يحاولون عبور البحر إلى أوروبا باستخدام خليط من الوسائل النظامية وغير النظامية.

ويعني هذا النمط وصول عديد المهاجرين إلى ليبيا حاملين تأشيرات دخول رسمية ثم يسافرون عبر الوسائل العادية، ويصبحون «غير نظاميين» تماما عند النقطة التي يبحثون فيها عن مهرب في ليبيا لعبور البحر إلى أوروبا.

الوضع الاقتصادي في ليبيا
وتناول تقرير «غلوبال أنتياتف» الوضع الاقتصادي «المتباين» داخل ليبيا، فبينما استفادت من المكاسب غير المتوقعة في أسعار النفط العالمية بسبب حرب روسيا على أوكرانيا، ظل السكان يواجهون -بما فيهم المهاجرون- تحديات هيكلية في الحصول على الرواتب وشراء السلع المستوردة، وأفادت منظمة الهجرة بأن البطالة بين المهاجرين بلغت نحو 26% في أكتوبر ونوفمبر 2022، فيما يواجه 62% منهم صعوبات اقتصادية كانت مصدر قلقهم.

ويكشف التقرير الدولي كيف اتسعت حالات المغادرة خلال العام 2022 كمؤشر كمي قوي على تطور شبكات تهريب البشر التي عادت إلى الظهور في ليبيا في العام 2021، وقد جرى تعزيز قدرتها على نقل أعداد أكبر من المهاجرين.

رحلات المهاجرين من شرق ليبيا
ومنذ العام 2021 استؤنفت رحلات المغادرة من سواحل طبرق، بعد توقف دام سنوات، بإجمالي حوالي 11 رحلة مغادرة خلال العام بأكمله، إلا أن ذلك تسارع بشكل كبير في العام 2022 وسجل مغادرة أكثر من 17 ألف مهاجر عبر 85 سفينة، وحسب المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين فإن 25% من الوافدين عن طريق البحر إلى إيطاليا قادمين من شرق ليبيا جاءوا من برقة بينما الغالبية العظمى غادرت من طبرق، وكان هناك أيضا بعض النشاط في بنغازي وأجدابيا.

وكشفت مصادر للمبادرة أن الارتفاع المستمر في أعداد المغادرين خاصة من طبرق، كان نتيجة قيام أفراد ذوي نفوذ في شرق ليبيا بإعطاء «الضوء الأخضر» لضباط محليين ومهربين بتكثيف أنشطتهم.

- الاتحاد الأوروبي يدرس تعزيز العملية «إيريني» لمكافحة الاتجار في البشر من ليبيا
- «العفو الدولية» تطالب «فرونتكس» بالشفافية بشأن تعاونها مع ليبيا في مجال الهجرة
- «تقرير الخبراء»: 3 نماذج لعمليات تهريب البشر والأطفال تحت سيطرة شبكة الزاوية

ويميل المهربون إلى نقل أعداد أكبر من الركاب في كثير من الأحيان نحو 500 شخص أو أكثر- على متن سفن أكبر وأكثر صلاحية للإبحار مثل قوارب الصيد المعاد استخدامها، وأبلغت مصادر عن أسعار الرحلة التي لا تقل عن 600 يورو، ففي حال كان القارب الذي يحمل 300 مهاجر سيبلغ صافي المداخيل 180 ألف يورو.

وتشير الروايات المتناقلة من مراقبين وثيقين لعمليات الإنقاذ البحرية أن جودة المحركات تحسنت بشكل ملحوظ في العام الماضي، مع بدء ظهور قارب «ميركوري» بقوة 150 حصانا مقابل «ياماها إندورو» 40 حصانا والأرخص بكثير. وهذا ما اعتبر على وجود شبكات أكثر استمرارية وقادرة على شراء المزيد من المحركات باهظة الثمن. وفي طبرق حيث شهد حجم الركاب في العام 2022 ارتفاعا كبيرا في عدد المغادرين تجرى رحلات المغادرة من شرق ليبيا غالبا باستخدام سفن الصيد.

الوضع مختلف مع المهاجرين من أفريقيا جنوب الصحراء
وعلى النقيض من ذلك، يسافر الأفارقة من جنوب الصحراء الكبرى عادة إلى ليبيا دون أي أوراق رسمية باستخدام الطرق البرية غير الرسمية، وفي حين كان هذا النوع من التنقل الإقليمي غير المنتظم هو المحرك الرئيسي، بعد أعوام 2014-2017، لعب دورا أصغر بكثير في الزيادة في العامين الماضيين.

وقدر أحد الأشخاص الذين قابلتهم المبادرة في نوفمبر العام 2022 أن نحو 50 مهاجرا يصلون سبها يوميا، ويسافر ما بين 30 إلى 40 شخصا إلى الشمال الليبي من سبها، بما يصل إلى حوالي 1200 شهريا وهو رقم تقريبي للغاية، لكنه يتوافق بشكل عام مع إجمالي عدد المغادرين من غرب أفريقيا من الساحل الليبي.

وفي صبراتة عادت المدينة إلى الواجهة باعتبارها أهم مركز للتهريب على الساحل الغربي حيث تجاوزت كلا من زوارة والزاوية ووفقا لمقابلات متعددة، فإن المهرب المدرج على لائحة الأمم المتحدة أحمد الدباشي المدعو «العمو» كان له أيضا نفوذ في البلدة. ويعتبر الدباشي لاعبا مهما في التاريخ الحديث لتهريب البشر في صبراتة فقد ترأس إحدى الشبكات التي أسهمت بشكل كبير في أزمة 2014-2017.16 وبعدها طرد من المدينة.

وبخصوص أساليب المهربين وفق المبادرة العالمية فإنهم يستخدمون عدة منازل مختلفة داخل زوارة لإيواء المهاجرين، بحيث إذا جرى اكتشاف المواقع فإنهم لن يفقدوا جميع اللاجئين مرة واحدة. وأشار المهربون أيضا لتغيير المواقع بشكل متكرر واستخدام المباني المهجورة، والتي تقع أحيانا خارج المدينة. كما يتجنب المهربون إبقاء المهاجرين في المكان نفسه لفترة طويلة لتقليل المخاطر.