Atwasat

الساسة الليبيّون يخشون الميليشيات القوية

طرابلس - أ ب، ماغي ميشيل الخميس 10 أبريل 2014, 08:42 مساء
WTV_Frequency

في تسجيل مصور مهين، يظهر أكبر سياسي في ليبيا، رئيس برلمان البلاد، وهو يتضرع إلى قائد إحدى الميليشيات محاولاً تفسير سبب ضبطه بصحبة امرأتين في مقر إقامته ومؤكّدًا أن شيئًا مشينًا لم يحدث.

ويقول نوري أبو سهمين في التسجيل مخاطبًا قائد الميليشيا هيثم التاجوري "أقسم بالله... لا أخفي عنك أي شيء يا هيثم". ويتابع أبو سهمين في خوف بادٍ بأن المرأتين زعمتا امتلاك "معلومات حساسة" في وقت تلقى فيه معلومات حول خلية تتآمر لاغتياله.

ويرد قائد الميليشيا متحدثًا دون أن تظهر صورته على الكاميرا: "أريد أن أنهي هذا الأمر كله، لكنني أريد أن أفهم. لست غبيًا".

وأثار هذا المقطع الذي سجله وسربه رجال الميليشيا وعرضته في وقت سابق من هذا الشهر محطات تلفزيونية ليبية، غضبًا عارمًا دفع النائب العام في البلاد إلى فتح تحقيق واستدعاء أبو سهمين والتاجوري لاستجوابهما.

ويسعى النائب العام إلى تحديد ما إذا كانت قد ارتكبت أي جريمة، سواء ابتزاز من قبل قائد الميليشيا أو انتهاك القوانين الأخلاقية من قبل أبو سهمين، وهو سياسي ذو ميول إسلامية.

بيد أن ما يسلط عليه الضوء هذا التسجيل المصور في نهاية المطاف هو مدى ضعف وتهافت حتى أبرز الساسة في ليبيا أمام الميليشيات التي أصبحت القوى المنفذة للقانون ووقود الإنفلات في هذا البلد منذ الإطاحة بمعمر القذافي وقتله في 2011.

نزع سلاح وتسريح الميليشيات
منذ البداية لم تبذل الحكومة الوليدة أي جهد يذكر لمتابعة برنامج يهدف إلى نزع سلاح وتسريح الميليشيات. وعوضًا عن ذلك، حاول مسؤولون استمالتها وأنفقوا مليارات الدولارات على تكليف المقاتلين بمهام أمنية متعددة، دون أن ينجحوا مطلقًا في كسب ولائهم، أو بناء دولة ليوالونها.

والآن، وفي ظل حالة الفوضى التي يعيشها الجيش والشرطة، بات الساسة أضعف من أن يستطيعوا السيطرة على الميليشيات.

ويقول جاسون باك، الباحث في تاريخ الشرق الأوسط بجامعة كامبريدج ومدير موقع "ليبيا أنالايسيس دوت كوم" الذي يركز على الشؤون السياسية والاقتصادية في البلاد، يقول إن الرسالة التي وصلت إلى الميليشيات هي "لا تتفاوضوا مع الحكومة، امنعوا أي تسوية. الحكومة ستكون أضعف من أن ترد".

وقال إن الاسترضاء الحكومي للميليشيات والخضوع للمطالب الجهوية "تسبب في تآكل المؤسسات الأساسية... جميع المشاكل الحالية مرجعها إلى ذلك".

لكن إذلال أبو سهمين على هذا النحو ليس إلا الحلقة الأخيرة في مسلسل الإهانات التي تعرض لها المسؤولون المنتخبون في ليبيا على يد المسلحين.

قبل نحو ستة أشهر تقريبًا، خطف علي زيدان، الذي كان حينها رئيسًا للوزراء، لفترة وجيزة من فندقه من قبل ميليشيا إسلامية قبل أن تطلق سراحه جماعة مسلحة منافسة. نجل وزير الدفاع حينها خطف واحتجزته ميليشيا لمدة أربعة أشهر حتى أطلق سراحه في يناير. والده أصبح رئيسًا موقتًا للوزراء بعد أن عزل البرلمان زيدان من منصبه الشهر الماضي.

قانون العزل السياسي
في الصيف الماضي، حوصر البرلمان ووزراء الحكومة من قبل الميليشيات، مرغمين النواب على تمرير قانون "العزل السياسي" الذي يفرض حظرًا على ممارسة السياسة على كل من شغل منصبًا خلال فترة حكم العقيد معمر القذافي. وشمل ذلك عددًا من شخصيات المعارضة البارزة التي انشقت عن القذافي وقاتلت ضد نظامه، ومن ثمة سعت للمشاركة في إعادة بناء البلاد.

"القانون شق البلاد نصفين: إما أن تكون معنا أو ضدنا" وفقًا لما قالته حنان صلاح، الباحثة الليبية في منظمة هيومن رايتس ووتس واصفة تمرير القانون "بنقطة تحول". وتضيف: "منذ ذلك الحين، صار من الشرعي جدًا استخدام القوة لتحقيق أهدافك".

وتشكلت الميليشيات من كتائب المقاتلين الذين حاربوا قوات القذافي خلال الانتفاضة ضد الدكتاتور العام 2011. ومنذ ذلك الحين، تكاثرت أعدادهم وتضخمت قوتهم، مجهزين بأسلحة نهبت من ترسانة أسلحة القذافي أو التي أرسلت من الخارج خلال الحرب.

العديد منها متجذر في مدن أو قبائل بعينها، لكن سلطاتها امتدت جغرافيًا. ميليشيا مدينة مصراتة، ثالث أكبر المدن الليبية، على سبيل المثال، باتت قوة تخشى سطوتها في العاصمة طرابلس، كما هي حال الميليشيا القادمة من منطقة الزنتان، غرب البلاد، والجماعتان متنافستان، كل منهما يدعم واحدًا أو اثنين من التكتلات المتعارضة في البرلمان. في الجزء الشرقي من البلاد، اصطفت بعض الميليشيات وراء الدعوة إلى حكم ذاتي للمنطقة، المعروفة باسم برقة والتي شكت طويلاً من التمييز من قبل الحكم المركزي في طرابلس.

ميليشيات أخرى متجذرة أيديولوجيا، خاصة مجموعات الميليشيات الإسلامية المتشددة والعديد منها يستلهم فكر القاعدة.

يقول التواتي عيضة، العضو السابق في البرلمان، إن رجال الميليشيات قاموا بخطف عدد من النواب، وقاموا بتعريتهم وإهانتهم وتصويرهم في نوع من الابتزاز لضمان ولائهم.

وقال لـ"أسوشيتد برس" إنه التقى أحد الضحايا الذي وصف معاناته، وهو نائب رفض الكشف عن هويته، وقال إنه أجرى المزيد من التحقيقات ليتبين له وجود نائب ثان وثالث ورابع ممن تعرضوا إلى ذات المعاملة.

وأضاف: "بعدها أدركت لماذا يتم إخراس أولئك الداعين إلى فرض سيطرة الدولة على الميليشيات".

العيضة، وهو ممثل عن مدينة الكفرة جنوب البلاد، أعلن عن اتهاماته هذه في الشبكة التلفزيونية الأولى في ليبيا. وردًا على ما قاله، صوت البرلمان على طرده.

اغتيال 200 من الشخصيات البارزة
أكّد عضو سابق في البرلمان، محمد دوما، للأسوشيتد برس بأن ذات العضو البرلماني وصف له عملية خطفه أيضًا. وقال الضحية لدوما بأنه احتجز لمدة أسبوع تقريبًا من قبل ميليشيا بتهمة ارتكابه "جريمة أخلاقية" وقاموا بتعذيبه وتصويره.

وقال دوما إن البرلماني كان "في حال انهيار عصبي" واستقال دوما فور اخباره بالواقعة احتجاجًا على عمليات الخطف والاستقطاب في البرلمان.
وأردف قائلاً: "كنا نريد حكم القانون، كنا نريد أن تكون للدولة الاستخدام الحصري للقوة. لكن ما حصلنا عليه هو ميليشيات تتمركز السلطة في أيديها".

وتقويض الميليشيات لسلطة الدولة واضح للعيان في جميع أنحاء البلاد. فخلال العامين الماضيّين، اغتالت الميليشيات نحو 200 من الشخصيات البارزة، ومن بينهم مسؤولون كبار في الشرطة ومدعون عامون وقضاة وناشطون، معظمهم في المنطقة الشرقية، لا سيما في بنغازي ودرنة وهي معقل للميليشيات الإسلامية.

وقالت صلاح إن المحققين لا يجرؤون على الذهاب إلى مسرح الجريمة أو تنفيذ اعتقالات، ونادرًا ما يدلي الشهود بشهاداتهم خوفًا من الانتقام. وتم إغلاق المحاكم لأن القضاة يخشون الاغتيال.

أضافت صلاح: "هناك انهيار للقانون والنظام في مناطق عديدة من ليبيا".

درنة بلا حكومة
في مدينة درنة، ليس للحكومة أي سلطة على الإطلاق في مواجهة العديد من الميليشيات الإسلامية المتطرفة التي تسعى إلى إقامة حكم إسلامي صارم.

ويوم الجمعة الماضي، جاب المتطرفون أرجاء المدينة في عشرات من الشاحنات الصغيرة المحملة بالأسلحة، وكانوا يرفعون لافتات جهادية سوداء.

وأعلنت جماعة تدعى "شورى مجلس شباب الإسلام" على صفحتها على موقع "فيسبوك" أنها تعتزم تحدي "جميع القوانين الكافرة" وتطبيق أحكام الشريعة. وأقامت نقاط تفتيش في المدينة وأعلنت أنها ستشكل لجانًا لحل النزاعات بين السكان على أساس أحكام الشريعة الإسلامية.

وتشهد درنة أعمال عنف متكررة. وأثناء التصويت في فبراير على تشكيل جمعية تأسيسية لصياغة الدستور، تم وقف الاقتراع في درنة تمامًا بسبب هجمات الميليشيات على مراكز الاقتراع. وخلال الأشهر الماضية، تم قتل مدع عام سابق بالمدينة وكانت جثث الأجانب ملقاة في الشوارع، وهاجم مسلحون مكتب الخزانة العامة في المدينة، حيث يحصل أفراد الشرطة على رواتبهم.

وقالت حنان البريك، وهي محامية في درنة، إن السكان نظّموا اعتصامًا لمدة ثلاثة أيام مطالبين الحكومة بالتخلص من الميليشيات، ولكنّ السلطات لم تستجب.

وقالت البريك: "إنهم يريدون دولة إسلامية... ولكن كل الناس يرفضون هذا. النساء يعشن في رعب. ولا يمكنهم الخروج ليلا ... نحن نخشى على أطفالنا".

وأصيب الليبيون بالذهول من عجز حكومتهم إزاء محاولة درامية من قبل ميليشيا في شرق البلاد لبيع شحنة غير قانونية من النفط. وتم إحباط هذه المحاولة عندما أوقفت سفينة حربية أميركية الناقلة التي تحمل شحنة النفط قبالة قبرص. وتسيطر الميليشيات على معظم المنشآت النفطية في البلاد منذ العام الماضي وقامت بوقف الإنتاج في إحراج جديد للحكومة، على الرغم من أنها توصلت أخيرًا إلى اتفاق لتسليم النفط للحكومة.

وقال جمعة بربش، وهو موظف في شركة طيران: "ليس هناك شيء في البلاد... الشعب لم يعد يحتمل. نريد رئيسًا".

المزيد من بوابة الوسط

تعليقات

عناوين ذات صلة
افتتاح مركز صحي لدعم النازحين السودانيين في الكفرة
افتتاح مركز صحي لدعم النازحين السودانيين في الكفرة
خبراء يحذرون: النفوذ الروسي في ليبيا يصل «مستويات خطيرة»
خبراء يحذرون: النفوذ الروسي في ليبيا يصل «مستويات خطيرة»
أرقام رسمية: 1.37 مليار دينار إيرادات النفط في أبريل الماضي
أرقام رسمية: 1.37 مليار دينار إيرادات النفط في أبريل الماضي
ضبط أشخاص في حملة ضد معاكسة الطالبات في المرج
ضبط أشخاص في حملة ضد معاكسة الطالبات في المرج
الدبيبة يوجه بعودة شركة الخدمات العامة طرابلس لمباشرة أعمالها
الدبيبة يوجه بعودة شركة الخدمات العامة طرابلس لمباشرة أعمالها
المزيد
الاكثر تفضيلا في هذا القسم