في مثل هذا اليوم منذ اثنين وأربعين عامًا رحل عنا أيقونة الجهاد، والكرم، والحكمة، واللُّحمة الوطنية والاستقلال. إنه الشيخ عبدالحميد إبراهيم العبار، أحد الرجال الذين عاصروا قيام الدولة الليبية منذ محاربة الاستعمار الإيطالي مرورًا بتأسيس الجيش الليبي، ثم الصراع من أجل استقلال ليبيا.
تجلت حكمته في مواقف عظيمة يصعب حصرها في هذه النبذة، لعل آخرها قوله الشهير متصديا لمخطط فتنة مابين الحضر والبادبة: " بنغازي خيخي وبن خيخي " وأولها ، مثلما تقول بعض المصادر، رده على مندوب فرنسا الذي سخرمن قدرة الليبيين على تأسيس دولة، فقال له: " الليبيون حاربوا الطليان ثلاثون عامًا وانتصروا عليهم، وفرنسا احتلها هتلر في ثلاثة أيام ".
ولد شيخنا سنة 1894 بقرية سلوق ، وتلقى تعليمه في الزوايا السنوسية. كان من السباقين الذين حاربوا جيوش إيطاليا منذ وصولهم عام 1911، فكان أصغر المجاهدين سنًا وأكثرهم حماسة. سمّاه المستعمرون (شيخ القبيلة الشاب) ورصدت المكافآت المالية لمن يأتي برأسه. منذ وصوله أرض مصر سنة 1932 ساهم بفاعلية في توحيد كلمة الليبيين التي توجت بالإعلان عن تأسيس جيش التحرير يوم 9 أغسطس 1940.
وفي أبريل 1949 كان أحد أعضاء الوفد المكلف بمناقشة المسألة الليبية في الأمم المتحدة. ونالت ليبيا استقلالها وعُين عضوًا بمجلس الشيوخ، وظل به إلى أن ترأسه في أكتوبر 1961. كرمته الدولة بالكثير من الأنواط والأوسمة.اعتقل بعد سقوط النظام الملكي، ولكنه ظل الشيخ الحكيم الذي تصدى لفتنة بين الحضر والبادية كادت تعصف بنسيج شرق ليبيا الاجتماعي، موكدًا أن الحضر هم إخوة وأصهارالبادية ومن لم يحارب منهم عن أرضه ابتاعها بماله.
رحل عنا يوم 20 / 9 / 1977 في مدينة بنغازي، وشيعته الجماهير في جنازة مهيبة ، ووسد ثرى مقبرة سيدي عبيد في اليوم نفسه.
تعليقات