Atwasat

هواجس مخاض المرحلة الحالية (ما قبل المرحلة الانتقالية الخامسة في ليبيا)

عزة كامل المقهور الأحد 08 نوفمبر 2020, 05:26 مساء
عزة كامل المقهور

مقدمة:

تستعد ليبيا لمرحلة انتقالية خامسة تديرها الأمم المتحدة، فقد بلغ الصراع فيها مبلغا دمويا لم يسبق له مثيل، وبلغ الانقسام السياسي مبلغا أضعف من مؤسسات الدولة وأضر بالمواطن وأهان كرامته الإنسانية، واستقوت القوى المتصارعة بالدول الأجنبية وسمح لها بالتدخل المباشر في ليبيا. لذا فإن هذه المرحلة هي مرحلة مصيرية لوضع قواعد تحافظ على الدولة من التفتت، وتحافظ على مؤسساتها بالسعي إلى وحدتها، والأهم أن تعيدها إلى المسار الديمقراطي لتستعيد المؤسسات شرعيتها. إن أضعف ما يميز هذه المرحلة هي غياب الشرعية المؤسساتية وفقدان الثقة بين المواطن ومؤسسات الدولة. ويظل التماسك الواضح في الخارطة الليبية هو التماسك الجغرافي والاجتماعي الذي رغم كل الإخفاقات والنزاعات ظل قائما رغم ضعفه ومحاولة تسيسه واستغلاله.

المرحلة الانتقالية المقبلة يجب أن تكون محدودة السلطات هدفها الأساسي العودة إلى المسار الديمقراطي واستعادة المؤسسات لشرعيتها والحفاظ على مؤسسات الدولة وتخفيف حدة التدخل الدولي والأهم ضمان الأمن وحاجيات المواطن الليبي.

المسارات الثلاثة:
تتميز هذه المرحلة بمسارات ثلاثة تأسيسا على مخرجات برلين والخطة المرفقة لبعثة الأمم المتحدة لليبيا، والتي اعتمدها مجلس الأمن الدولي بموجب القرار رقم 2510 لسنة 2020 وهي: مسار عسكري/ أمني، مسار اقتصادي، ومسار سياسي.

الهاجس الأول المسار العسكري/ الأمني (لجنة 5+ 5/ اللجنة العسكرية):
حقق المسار العسكري تقدما ملحوظا يتجلى فيما يلي: التوصل إلى اتفاق وقف إطلاق النار، وبدء الاجتماعات في داخل ليبيا، والاتفاق على تأمين الحقول والموانئ النفطية من خلال توحيد وضبط حرس المنشآت النفطية إضافة إلى تميزه بالمهنية حسب اشادة السيدة وليامز. إلا أن هذا المسار يرتبط أساسا بما سينفذ على الأرض، وهذا هو مقياس نجاح المسار العسكري. لكن هذا المسار لكي ينجح يحتاج إلى تقدم في المسارين الاقتصادي والسياسي، وإلا فإنه إما أن ينهار وأن يقوده المساران أن فشلا إلى الفشل، أو أن يتمكن هذا المسار من النجاح وينقلب عليهما.

 ومن هذا المنطلق، فإن مسؤولية كبيرة تقع على عاتق المسار السياسي بالذات، فإن عليه أن يشعر بالمسؤولية لأنه لا يعمل بمفرده، بل يعمل بالتوازي مع مسارين آخرين، وأن مسألة التوازن بينهما دقيقة وبالغة الأهمية. أن على المسار السياسي من الآن أن يبين ويظهر جديته ومدى مسؤوليته، فالمسار السياسي لا يملك شرعية دستورية تضعه في مصاف أعلى من المسارين الآخرين، لذا عليه أن يحقق قبولا شعبيا مستمدا من جدية عمله ونزاهته. إن الخشية أن تتداخل المسارات وتتضارب، أو أن يُضعف أحد المسارات الآخر خاصة ذاك الذي قد يفشل منها.

الهاجس الثاني المسار السياسي:
على المسار السياسي الذي تقوده الأمم المتحدة وهي التي اختارت أعضاءه، ووضعت جدول أعماله، أن يعي المسارين الآخرين وأن ينفتح عليهما، فهي مسارات تكمل بعضها البعض وعليه ألا يعمل بمعزل عنهما. فمعنى أن يكون الحوار ليبيا ليس أن يتحاور الليبيون على المستوى السياسي فحسب بل على المستويات الأخرى أيضا وفيما بينها. وفي وقت ما أتمنى أن يكون قريبا أن تلتقي المسارات، فلا أرى نجاحا في اتفاق سياسي دون أن يأخذ البعدين العسكري والاقتصادي في الحسبان.

إن أحد مهام المسار السياسي وهو بالأساس سيقوم باختيار مجلس رئاسي وحكومة موحدة، لذا عليه أن يعي تماما أن الاختيار يجب أن يكون مقيدا بمعايير أساسية. فمسألة الاختيار حساسة ولو أساء الاختيار فإنه سيخسر ستة ملايين ليبي يتأملون منه الكثير. لذا فإن على منتدى الحوار أن يقيد صلاحياته ولا يشتط فيها، وأن يجد مخرجا لكي يتماشى مركزه مع التشريعات الليبية (مسألة في غاية الأهمية).

على منتدى الحوار السياسي أن يضع بنفسه معايير محددة لتولي الوظائف في المؤسسات القادمة، أهمها ألا يكون المترشح متورطا في الفساد أو في انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان أو القانون الدولي الإنساني. وعدم التسرع في اختيار الشخصيات التي ستتولى المؤسسات المقبلة، وأن يتم التخاطب مع مكتب النائب العام لمعرفة ما إذا كانت هناك تحقيقات مفتوحة أو دلائل جدية في التورط في قضايا فساد أو في انتهاكات حقوقية جسيمة أو جرائم حرب أو جرائم ضد الإنسانية، كذلك مخاطبة اللجنة المعنية بالعقوبات التابعة لمجلس الأمن ولجنة حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة والمحكمة الجنائية الدولية للتحقق من ذلك خاصة وأنها أصدرت تقارير بناء على تحقيقات ووقائع ولجان تقصي الحقائق ولديها وثائق وأدلة مهمة بهذا الخصوص وهو أمر يمكن أن تتولاه البعثة الأممية. سيكون من المسيء للبعثة الأممية وللأمم المتحدة عموما أن تؤسس حكومة بها أعضاء متورطين في هكذا قضايا.
أن لا يعتمد أعضاء مجلس الحوار على التزكية أو «الخيار الإقليمي»، وأن يعقدوا جلسات استماع مباشرة مع المترشحين لتقييمهم وهي أشبه بجلسات منح الثقة للحكومات. 

الهاجس الثالث: طرابلس
هناك اتجاه دولي لنقل إدارات الدولة إلى مدينة سرت، وما يعزز ذلك اتفاق المسار العسكري على أن يكون مقر اللجنة العسكرية في مجمع «واجادوجو». وهذا يعزز ما يتداول في الأخبار من نقل مقر المجلس الرئاسي والحكومة والإدارات السيادية إلى مدينة سرت.

وهنا من المهم في حال الوصول إلى هذا القرار ما يلي:
- عدم المساس بمركز «العاصمة»، فنقل الحكومة أو الإدارات يجب أن لا يطال صفة «العاصمة» التي لا يملك منتدى الحوار أن يطالها لأنها منصوص عليها في المادة الأولى من الإعلان الدستوري، وهذا أمر متروك لسلطة منتخبة في ظروف مستقرة نسبيا. إضافة إلى ذلك فإن هذه المسألة حساسة والخوض فيها في هذه المرحلة خاصة بعد الحرب الأخيرة وآثارها على مدينة طرابلس سيؤدي إلى مزيد من الشقاق والخلاف. لذا فإنه في حالة نقل مقر المجلس الرئاسي والحكومة والإدارات السيادية يجب النص على نقلها كمؤسسات أو إدارات دون التعرض لمصطلح «العاصمة» ولو كان موقتا.

- عدم تكرار ما حدث في بنغازي العام 2011، حين تم انتقال المجلس الوطني الانتقالي والمجلس التنفيذي وكل الإدارات والسفارات إلى طرابلس وتركت بنغازي فريسة للجماعات المسلحة والإرهابية، ولحق بها من عمليات اغتيالات ممنهجة. وهذا ما سيتكرر بالنسبة إلى طرابلس في حالة عدم تأمين خطة أمنية لها وأهمها تفكيك الجماعات المسلحة فيها استنادا للمادة 12 من مخرجات برلين، في غيبة مؤسسات الدولة التي كانت تفرض حمايتها بحكم وجودها فيها. فلا نقل للمؤسسات إلا مقابل خطة أمنية شاملة ومن هنا يكون للمسارين العسكري/الأمني والسياسي لقاء واتفاق على تأمين العاصمة في حال نقل المؤسسات منها.

العاجس الرابع: تعدد الهيئات في مسار انتقالي قصير نسبيا:
في ظل غياب المعلومات والخطة المقبلة، إلا أنه في حالة تحول منتدى الحوار السياسي إلى مؤسسة في المدة القادمة فإنه وفي حال استمرار المؤسسات القائمة (مجلس النواب ومجلس الدولة)، فإن المرحلة المقبلة ستتزاحم فيها المؤسسات. فبالإضافة إلى المجلس الرئاسي، سيكون مجلس النواب ومجلس الدولة وحكومة الوحدة الوطنية، ومنتدى الحوار الوطني واللجنة العسكرية. والقاعدة أنه في المراحل الانتقالية تقل المؤسسات، لكن الحالة الليبية عرفت تضخما في المؤسسات والتي استتبعت تضاربا في الصلاحيات وتنافسا وتفككا وعدم تنسيق فيما بينها ولعل في تصرفات «رؤساء» المجالس الثلاثة «كرؤساء» طوال المرحلة السابقة ما يؤكد ذلك.  

وازدياد عدد المؤسسات بهذا الشكل سيجعل من الصعب التنسيق بينها حتى ولم تم ضبط اختصاصاتها. لذا فإنه من المتعين الانتباه لهذه النقطة وضبطها. فبينما من السهل التوسع مؤسساتيا فإن التبعات وخيمة وهو ما حدث في التجربة الليبية.

الهاجس الخامس: المسألة الدستورية.
وهي من أكثر الهواجس أهمية. ولعل الاستهانة بالشأن الدستوري في اتفاق الصخيرات ما ساهم في تقويض مؤسسات الدولة وإضعافها. فولدت المؤسسات الجديدة ضعيفة، وتشبثت بقرارات مجلس الأمن وحدها والتي منحت للمجلس الرئاسي صفة «المعترف به دوليا» ما يؤكد غياب الاعتراف الوطني تأسيسا على الإعلان الدستوري والتشريعات الوطنية ذات العلاقة، وهي مرحلة صعبة أدت لإضعاف المسار الدستوري وتضارب أحكام القضاء بشأنها.

لذا من المهم الاستعانة بخبرات قانونية ليبية لإيجاد مخرجا لهذه المعضلة وجمع المسارين الوطني والدولي معا بدلا من هذا التنافر والتضاد التي شهدته المرحلة السابقة.

من الضروري أن يتأسس أي مُخرج من مخرجات منتدى الحوار السياسي على قاعدة دستورية، وأن يتبع الإجراءات الدستورية ويصبح جزءا من التشريع الوطني.

تظل هذه هواجس في غياب المعلومات الكافية، ولن تنقشع إلا بتوافر المعلومات بشفافية عن المسارات الثلاثة، وتبديدها من الجهات ذات العلاقة.

والله ولي التوفيق

عزة كامل المقهور

7. 11. 2020