Atwasat

أيها الليبيون السلام عليكم

أحمد الفيتوري الثلاثاء 03 نوفمبر 2020, 09:17 صباحا
أحمد الفيتوري

ليس هناك طريق إلى السلام، السلام هو الطريق.
• غاندي

إذا كانت الأمريكية ستيفاني وليامز قد علقت، في لقاء معها مؤخرا، عن الحاصل في ليبيا: لقد طفح الكيل، فماذا يقول الليبيون جمعا وزرافات وأفرادا؟: ليس من السلام بدَ، حيث يجب الذي يجب، وحيث لا خيار، فالحرب مثلا ليست خيارا، وغير الحرب السلام ما هو أصعب منالا، والطريق الذي ليس له سبيل غير السلام، أو كما قال غاندي. وإذ الحرب فرضت فرضا، من جهات ومعطيات عدة، فالسلام الخيار الوحيد ما يجبُ ما قبله، وأن تختار السلام، فإنه تكليف عظيم، يستنزف الجهد والوقت والمال، لأن الحرب المفروضة، تجعل أن تختار، أن تدفع ثمنا غاليا، حيث السلام الحياة، ما دونها الحرب/ الموت.

لقد ذهب الليبيون إلى الحرب، الحرب الأهلية ما تسلب الإرادة، التي تتمشهد كفعل ذاتي، كما فعل الانتحار، ما لا يمكن أن ينبع من بئر النفس، بل هومحصلة موضوعية سلبت الذات الإرادة، ولهذا يوعز الانتحار بأنه ضد الطبيعة البشرية. كذا كانت الحرب الأهلية فعلا مسلوب الإرادة، والمعطيات الخارجية تكون أس، ترتكز إليه القوى المحلية المتصارعة، ومن هذا الخارجي تستمد القوى الداخلية قوتها. إذا الخارج قاعدة الاستشناء الحرب الداخلية، التي وقودها وأوكسجينها يهب عليها، من مصالح ونفوذ خارجية متداخلة، فكل حرب أهلية تدلل على ضعف القوى المحلية، الضعيف غير القادر على حلّ مشكله، هذا الخلل في التوازن يجلب الرياح القوية العاتية.

الخلل الحتمي الواقع على الأرض، كي يعاد توازنه، لابد من معالجته على طريقة فـ "داويني بالتي كانت هي الداء"، أي الحرب لا يجبها السلام المستحيل/ الوفاق الداخلي، غير المدعوم من القوة التي تزود الحرب/ النار بالبنزين.

* ذكرى نسيت
عام 2006م رسوم أعيد اكتشافها، بعد نشرها بعام، تسيء للرسول الأعظم، كانت قدح الشرارة لمظاهرات، دعا لها النظام ضد الرسومات. فانقلبت في مدينة بنغازي إلى تظاهرة ضد النظام، حيث إن الشباب من لم يتجاوز العقد الثاني، يمثلون أكثر من نصف عدد السكان، يعيشون في بطالة وعسر اقتصادي وحصار، وعزلة عن العالم، ما يتدفق عليهم عبر محطات التلفزيون الفضائية والانترنت. الانترنت التي لأول مرة عبرها، تمكن الليبيون من نشر صور تظاهرهم في حينها، رغم أن النظام أوقفها عن العمل، لكن كان للبعض خط عبر الأقمار الاصطناعية، هؤلاء الشباب سقط منهم 23 قتيلا وبالرصاص الحي، حسبما جاء في اعتراف صريح من النظام، وذلك في مظاهرات 2006م يوم 17 فبراير.

• في ذكرى صديق
كنت بالجبل الغربي، بوابة جهنم كما أحببت أن أداعب الراحل صديقي الشاعر الجيلاني طريبشان، الذي أقام هناك منذ عودته من منفاه الاختياري في بغداد، و حتى ساعة رحيله، في ”فساطو” المدينة، التي ولد فيها شاعر الوطن الليبي أحمد رفيق المهدوي المحتفى بمئوية مولده 1998م. أهديت ورقتي البحثية، المشارك بها في تلكم المناسبة، لروح الشاعر الصديق سعيد المحروق وإلى جيلاني طريبشان الحاضر آنذاك.

المحروق كما طريبشان من جيل ما بعد الرواد، رواد الشعر الحر أو قصيدة التفعيلة، كتبت عن المحروق عن شعره، وعن جمعه لحكايات ليبية، وكان يكتب بعربية فصيحة تلكم الحكايات الشفهية كما كل كتاباته. وأفتح قوساً لأشير إلى أني، لا أعتقد أن هناك لغة مثل العربية، من ساهم في تطويرها وتجويدها الإثنيات، التي عاشت في كنف الحضارة العربية الإسلامية.

على أية حال فور انتهاء الجلسة الأولى، من ملتقى مئوية رفيق، وجدت ثلة من الشباب يحتفي بي، استضافني سعيد المحروق ميتاً كما كان يستضيفني حياً، فإن إهداء ورقتي البحثية إلى روحه، كان وراء هذا الاحتفاء من قبل جماعة، تكن ما تكن للمحروق، باعتباره الابن الضال الذي هجر لغته الأمازيغية للغة العرب.

هكذا وجدت سعيد المحروق، ابناً ضالاً دائماً، حياً وميتاً، وسعدت بصداقتي لابن كهذا، الذي اعتبرته السلطة السياسية والاجتماعية والإثنية، ضالاً ومن المغضوب عليهم.

عقب خروجي من السجن مباشرة، زارنا الشاعر محمد عفيفي مطر، وكنا معاً في فندق أجنحة الشاطئ بطرابلس الغرب، حين طلبنا لمقابلة شخص، في انتظارنا في سيارة خارج الفندق، ولا يستطيع الحركة، هو سعيد المحروق المصاب بشلل في النصف السفلي، من أثر حادث سيارة من جاء مرحبا بنا، في اتقاده وحيويته لم نلتفت لمصابه الذي تجاوز العقد من الزمان.

هذا هو السعيد، المحروق، المنسي، في جوف الطين.