تراقب الأوساط الاقتصادية التونسية بقلق أشكال التأثيرات الواضحة لاستمرار غلق الحدود مع ليبيا على ترتيباتها لمباشرة مشاريع إعادة الإعمار وعودة العمالة، خاصة وأن رئيس حكومة الوحدة الوطنية عبدالحميد الدبيبة يستعد لزيارة القاهرة قريبًا، تعكس تطلع مصر إلى تعزيز نفوذها الاقتصادي من خلال الاستثمار، فيما انخرطت مالطا وتركيا في المسعى ذاته.

وسعت حكومة الوحدة الوطنية من زيارة رئيسها عبدالحميد الدبيبة يوم 9 سبتمبر إلى وضع حد لسوء التفاهم والتوتر الذي ساد بين تونس وطرابلس منذ إغلاق الحدود في 17 يوليو، غير أنه بعد أيام تبين أن الملف لم يطو بعد؛ بل دخل أروقة البرلمان الليبي يوم الإثنين بمساءلة الدبيبة على خلفية إشاعات تروج لمنع الليبيين من دخول تونس، فيما دعا نواب آخرون إلى تشكيل لجنة برلمانية برئاسة عقيلة صالح ونائبيه، للذهاب إليها وحل مشكلة إغلاق الحدود مع السلطات وفتحها مجددًا.

السفير التونسي ينفي منع الليبيين من دخول تونس
إلا أن تلك المزاعم أخرجت السفير التونسي لدى ليبيا الأسعد العجيلي، عن صمته نافيًا اتخاذ السلطات التونسية موقفًا ضد حاملي الجواز السفر الليبي، قائلًا إن «الليبيين مرحب بهم في بلدهم تونس ولن تتخذ السلطات التونسية يومًا قرارًا ضد الليبيين». ولفت العجيلي، في تصريحات نقلها المركز الإعلامي للوزارات إلى أن الإجراءات المتخذة من قبل الحكومة التونسية أساسها صحي لا سياسي بسبب انهيار المنظومة الصحية في تونس وتدهور الوضع الصحي الفترة الماضية.

- ليبيا وتونس تتفقان على إعداد بروتوكول موحد لعودة الحركة البرية والجوية بين البلدين
- توقيع اتفاقية بين وزارتي المواصلات الليبية والمالطية لفتح المجال الجوي بين البلدين
- الدبيبة: اتفاقات التعاون تأذن بمرحلة جديدة من الشراكة مع مصر ونحتاج لتعزيز العمل الدبلوماسي

ولأن مستقبل البلدين الاقتصادي مرتبط بتطوير العلاقات، انتهى لقاء الدبيبة برئيس تونس قيس سعيد إلى بيان ختامي مبهم من دون تقديم الإجابة على أهم الأسئلة التي تؤرق الطرفين وهي تنقل حركة الأشخاص والبضائع بين نقاط العبور في وقت تتطلع الشركات التونسية إلى المشاركة في إعادة إعمار ليبيا.

أسباب إغلاق الحدود بين ليبيا وتونس
ويعود أصل التوتر إلى شهر يوليو حين تطور تفشي الوباء في تونس بشكل رهيب دفع السلطات الليبية إلى إغلاق النقاط الحدودية التي يمر عبرها تدفق كبير للبضائع والأشخاص يوميًا. وبعد الذروة الوبائية، أراد التونسيون الإبقاء على هذا الإغلاق رسميًا لأسباب صحية وغير رسمية لأسباب أمنية، لذا بعد إخفاق الليبيين أخيرًا في إقناع السلطات التونسية بتغيير موقفها، فسرت وسائل إعلام تونسية قرار عدم خوض ليبيا في الموضوع أكثر من ذلك، بالبدء في إقامة روابط والقيام بأعمال تجارية مع المالطيين والمصريين، دون أن ينسوا الأتراك، مؤكدين أن هذا التوجه سيئ للغاية بالنسبة لتونس.

وأمام تواصل غلق الحدود غيَّر الكثير من الليبيين وجهتهم إلى تركيا للعلاج، في وقت أطلقت الغرفة النقابية لأصحاب المصحات الخاصة في تونس صيحة قلق أمام الآثار السلبية لهذا الغلق على المصحات الخاصة، إذ يعد 50% من المرضى الذين يعالجون في المصحات الخاصة من الأجانب ويشكل الليبيون نسبة كبيرة من هؤلاء المرضى.

مصر تعمل لتعزيز حضورها في ليبيا
كما يخدم تأثر العلاقات التونسية - الليبية بصورة أكبر الدول المجاورة الأخرى التي تشترك في حدود طويلة وتاريخ مشترك، ودخلت مصدر كغيرها من الدول المتأثرة والمؤثرة في ليبيا مبكرًا لدى تشكيل السلطة التنفيذية في مارس الماضي في مساعٍ لعودة عمالها والمشاركة في مشاريع إعادة الإعمار لمواجهة المحاولات التركية المكثفة لتولي المشاريع لوحدها. لكن تعمل لتعزيز حضورها هذه المرة عند زيارة رئيس عبدالحميد الدبيبة، إلى القاهرة خلال الأيام المقبلة، لتعزيز العلاقات المصرية - الليبية، في إطار اجتماعات اللجنة العليا المشتركة.

وكشف عن الجولة وزير الدولة للشؤون الاقتصادية سلامة الغويل، الذي أكد توقيع عقود لتنفيذ مشاريع كهرباء مع شركات مصرية بقيمة تتراوح بين 1.5 و2 مليار دولار. وتوقع الغويل بحسب تصريحات لـه لجريدة «المال» المصرية، الإثنين، أن تستحوذ الشركات المصرية على نسبة تتراوح بين 60 و70% من مشروعات إعادة الإعمار في ليبيا.

تكلفة إعادة إعمار ليبيا
وقدر الغويل تكلفة الأعمال اللازمة لإعادة إعمار ليبيا، بنحو 111 مليار دولار يجري تنفيذها على مدار 10 سنوات، مشيرًا إلى أن الخطة لا تزال معطلة إلى حين إقرار الميزانية وتحقيق التوافق السياسي بين جميع الأطراف.

وأكد وزير الدولة للشؤون الاقتصادية أن هناك تفاهمًا مع الجانب المصري للسماح للطيران الليبي بالهبوط في القاهرة إضافة إلى الإسكندرية. وبلغ حجم التبادل التجاري بين البلدين، نحو مليار دولار خلال 2019-2020، بعد أن بلغت الصادرات المصرية إلى ليبيا قرابة 825.3 مليون دولار، وسجلت الواردات نحو 152.3 مليونا.

القاهرة تتوقع مشاركة 3 ملايين عامل مصري في مشروعات إعمار ليبيا
وتعد مشاريع إعمار ليبيا حجر الزاوية في عودة العمالة؛ حيث تشير تقديرات مصرية إلى ترقب مشاركة 3 ملايين عامل مصري في المشروعات وهو الرقم نفسه لعدد العاملين العائدين من البلاد خلال السنوات الأخيرة، فقد اتفق الجانبان على تشكيل لجنة فنية، تكون مهمتها إتمام الربط الإلكتروني بين وزارتي العمل في البلدين لتسهيل وتنظيم تنقل اليد العاملة.

وتعود آخر زيارة لرئيس الحكومة المصرية مصطفى مدبولي، إلى ليبيا على رأس وفد وزاري رفيع المستوى إلى 20 أبريل الماضي؛ حيث اتفق خلالها الطرفان على إعادة تفعيل اجتماعات اللجنة العليا المشتركة، وإعادة تفعيل علاقات التعاون المشتركة في مختلف المجالات، فضلًا عن توقيع 11 وثيقة في مجالات النقل والبنية التحتية والصحة والقوى العاملة والاستثمار والكهرباء والاتصالات.

وبدأت الشركة المصرية لنقل الكهرباء في عمل الدراسات الخاصة برفع قدرة خط الربط بين مصر وليبيا من 240 ميغا وات إلى 500 ميغا وات ليتم من خلاله نقل الطاقة الكهربائية لليبيا.

وغير بعيد عن ليبيا حرص رئيس الوزراء المالطي روبرت أبيلا على الإشادة بتقارب الدبيبة مع حكومته بعد زيارته على رأس وفد ليبي قبل أيام فاليتا. وقال أبيلا إنه وعد طرابلس بأن يكون صوتها في الاتحاد الأوروبي. وكشف أن البلدين وقعا مذكرة تفاهم بشأن الرحلات الجوية المباشرة وأكد أن الاتصال الجوي بين البلدين أمر بالغ الأهمية. موضحًا يوم الأحد، أن قطاعي الصحة والطاقة المتجددة الليبيين أكثر المجالات التي تعمل الشركات المالطية على الاستثمار بهما.