Atwasat

د. هدى المقيرحي: استدامة مخزون ليبيا الثقافي تتعرض لتهديد خطير

طرابلس - بوابة الوسط الجمعة 26 مايو 2023, 07:39 صباحا
WTV_Frequency

يشكل التراث ذاكرة الشعوب وحضارتها، كما تتجلى في أشكاله العديدة، مدلولات الهوية عبر العادات والتقاليد من فنون الأكل إلى الرقصات الشعبية والأغاني والأهازيج، بالإضافة إلى طقوس الأعياد والمناسبات. في موازاة ذلك، تمثل الحكاية رافدا رئيسيا في استذكار الكثير من خصوصيات التراث وتناقله بالرواية جيلا بعد جيل، ويبقى السؤال عن مدى اهتمام مؤسساتنا الثقافية بهذا الجانب وهو الحكاية؟ وكيف يبدو المشهد أيضا على مستوى العمل التطوعي أو الفردي. كل هذه التساؤلات سنقرأ إجاباتها في سياق هذا الحوار مع الباحثة في التراث الثقافي د.هدى المـقـيرحي، الحاصلة على ميدالية «أوسكار سفير الحكاية».

● اهتمامك ملحوظ بالتراث، ما هي الموضوعات التي تشغل دائرة اهتمامك بالدرجة الأولى؟
- دائما ما أوكد أن الاهتمام بالتراث ليس قضية تخصص، بل هي هوية وكينونة في هذا العالم الذي نعيش فيه، فالمحافظة على التراث والموروث الثقافي مسؤولية كل فرد يسعى لتعزيز روح الانتماء في داخله. وعند الحديث عني، فإن اهتمامي بالتراث جاء ليس فقط كشغف وتقدير الماضي وتكوين الذاكرة، بل أيضا كباحثة في المحافظة على التراث الثقافي، حيث نشرت في هذا المجال أوراقا بحثية عدة في حقل مواقع اليونيسكو في مجلات رفيعة المستوى.

أذكر هنا على سبيل المثال لا الحصر، أنني شاركت بشكل مستقل في العديد من المحافل الدولية والإقليمية التي سلطت فيها الضوء على خطر عدم استدامة الموروث في ظل النزاعات والحروب، وكانت لي في ذلك ندوة عن المحافظة على التراث الثقافي في زمن الحروب والصراعات من تنظيم مندوبية ليبيا لدى «الأليكسو».

للاطلاع على العدد 392 من جريدة «الوسط».. اضغط هنا

وفي السياق نفسه كنتُ مديرة مهرجان التراث الثقافي مصراتة العام 2013، وهو أول مهرجان يقام بعد خروج ليبيا من الثورة والحرب، شعاره «التراث الثقافي يوحدنا» شاركت فيه أكثر من 15 مدينة ليبية وكان آنذاك عرسا وطنيا بامتياز. وقمت بتقديم ملف ليبيا لمؤتمر «اليونيسكو لذاكرة العالم» في تونس 2018. كما شاركت مع أفراد أسرتي بجناح ليبي مقتنيات تراثية نحتفظ بها في مهرجان أفريقيا 2021 في مدينة لوزان بسويسرا من تنظيم منظمة «إمباكت» السويسرية.

إضافة إلى ما سبق، مهم أن أذكر هنا لمن يهمه أمر الصناعات الإبداعية أنني أطلقت في العام 2022 مبادرة «ازدهار الاقتصاد الإبداعي»، التي تشمل الصناعات الإبداعية الثقافية وسجلت ملكيتها الفكرية، بل وصممنا لها أيضا جائزة «أوسكار ازدهار» منحوتة فنية إبداعية من تصميم الفنانة إمباركة زيدان، وأشرت إليها في كلمتي باسم ليبيا في مؤتمر الأمم المتحدة للاقتصاد الإبداعي 2022 في جنيف، وناشدت بأن تجري رعايتها محليا من إحدى الوزارات، ولكن بقي الأمر مع وقف التنفيذ لعدم توافر الإرادة الوطنية الحقيقية لتنفيذها.

● هناك من يرى أن نظرة الدولة الليبية للتراث، لم تتجاوز المهرجانات، بالتأكيد لكِ إطلالة على تلك التجارب؟
- أعتقد أنني أجبت عن ذلك في السؤال السابق، ولكن سأضيف هنا باعتباري في الأساس أكاديمية وباحثة أن مراكز البحث العلمي والبحوث التي تنتج منها ستظل حبيسة الرفوف ما لم تتم الاستفادة منها وتفعيلها، في حيز عملي وخطة عمل تطبق بمنهجية مدروسة، وعلميا الحكاية تقع تحت مظلة العلوم الإنسانية والاهتمام بالحكاية الشعبية، والتراث الشفهي هو أمر مهم قامت به العديد من الدول، حرصا منها على عدم ضياع وتهميش ذاكرتها. ومنها تجارب المغرب وتونس والشارقة والجزائر وغيرها.

● إلى أي مدى يشكل التراث الشعبي والحكائي نقطة وصل بين الشعوب؟
- الحكايات والخرافات والأساطير الشعبية تساعد على بناء جسور التواصل بين الشعوب وحضارتها، وتؤسس لحوار حضاري وتعزز العمق الثقافي الجامع بين مختلف الأعراق والجنسيات والثقافات وتجمعها تحت سقف واحد، هو سقف الثقافة والمعرفة الأدبية والسوسيولوجية والأنثروبولوجية.

● كيف جاءت فكرة المشاركة في المهرجان الدولي (مغرب الحكايات)؟
- مشاركتي لم يكن مخططا لها، حيث كنت أقيم في الرباط من أجل مهمة دولية كخبيرة في إحدى المنظمات، جاءت من خلال شبكة أصدقاء العمل المدني في المغرب، وكان هناك نقص في الحضور الليبي الأفريقي، فجاءت الفكرة لتمثيل ليبيا في النسخة 19 للمهرجان 2022 بدعوة من وزيرة التربية المغربية السابقة د.نجيمة طايطاي، مديرة المهرجان.

● تحصلت على ميدالية «أوسكار» سفير الحكاية، لكن ما المعايير التي وضعها المشرفون كشرط للتنافس؟
- تستند معايير الفوز بأوسكار سفير الحكاية إلى هدف المهرجان وهو «بناء جسور التواصل بين شعوب الأرض وحضاراتها عن طريق الحكايات والأساطير والخرافات الشعبية، وحسب رأي اللجنة وتصويت الجمهور وكوكبة من حكواتية المغرب، توفرت في الحكاية الليبية التي حكيتها هذه المعايير والرسالة التي تحملها، والأهم هو طريقة تواصل الحكواتي مع الجمهور لإيصال العمق المعرفي والثقافي للحكاية.

للاطلاع على العدد 392 من جريدة «الوسط».. اضغط هنا

● ما القصص التي اخترتها للمشاركة، وكيف كانت استجابة الجمهور؟
- اخترت «خرافة أم بسيسي الليبية» لعدة اعتبارات، منها أنها خفيفة وتناسب الفئات العمرية كافة، وكذلك الجمهور معظمه من العائلات والأطفال، حيث أرسلت «خرافة أم بسيسي» عدة رسائل أخلاقية، منها احترام خصوصية الغير وعدم التعدي عليها والاعتراف بالخطأ فضيلة، وأننا ندفع ضريبة أخطائنا حتى يصفح الآخرون وترد حقوقهم. الاستجابة كانت عالية وأكثر من ممتعة ويمكنني القول إن الجميع غادر وهو يردد مقولة الفأر «نعطيه لأم بسيسي بيش تعطيني ذيلي نعيد بيه نهار العيد».

● للحكاية العديد من المضامين الأخلاقية والإنسانية ، كيف يمكن الاستفادة من هذا المخزون؟
- التراث المحكي والشعبي له أبعاد اجتماعية وتاريخية، تربوية ونفسية وأخلاقية، وتعليمية، فمثلا يساعد على تنمية خيال الصغار وتربيتهم وتوسيع محصلتهم الفكرية واللغوية. كما يمكن تطوير إنتاج هذه الحكايات في شكل كتب وأفلام مرئية.

● التراث الليبي لا يزال مجهولا لدى الكثيرين، ما الخطوات التي ينبغي التركيز عليها للتعريف به؟
- تشهد ليبيا تهديدا خطيرا في ما يخص استدامة مخزونها التراثي عبر الأجيال، وجل محاولات المحافظة على التراث هي تطوعية أو فردية (كما هي حالتي)، وأوجه هنا نداء لكل من تقع عليهم مسؤولية صنع القرار أن يقوموا بخطوات جادة ومفصلية في هذه المرحلة الحرجة التي تشهدها البلاد، هذا فضلا عن أن الاهتمام بالحكاية المروية الشفهية يسهم في توعية المجتمع والتخفيف من آلامه المرتبطة بالضغوطات الاجتماعية والنفسية التي يمر بها الليبيون في المرحلة الحالية.

وعلى الدولة أن تطلق نداء إنقاذ للتراث تجمع فيه كل جهود المهتمين والمختصين ويصل إلى كل فئات المجتمع الليبي وفي القطاعات كافة، خصوصا المدارس.

المزيد من بوابة الوسط

تعليقات

عناوين ذات صلة
فنانون أيرلنديون يطالبون بمقاطعة «يوروفيجن»
فنانون أيرلنديون يطالبون بمقاطعة «يوروفيجن»
لأول مرة.. ستراسبورغ عاصمة عالمية للكتاب في 2024
لأول مرة.. ستراسبورغ عاصمة عالمية للكتاب في 2024
ذكرى الوحدة الوطنية تحت مجهر القبة الفلكية
ذكرى الوحدة الوطنية تحت مجهر القبة الفلكية
أولمبياد باريس: متحف اللوفر يقدم جلسات رياضية أولمبية
أولمبياد باريس: متحف اللوفر يقدم جلسات رياضية أولمبية
باكورة إصدارات «غسوف»: رواية ورياضة وتراث
باكورة إصدارات «غسوف»: رواية ورياضة وتراث
المزيد
الاكثر تفضيلا في هذا القسم