تجري بعض المزارع في اليونان تجربة فريدة لزراعة أنواع من الفواكه غير المألوفة في اليونان، تنبت في آسيا أو سواها عادةً، وهي أكثر مقاومة للتغير المناخي الذي يؤثر بشدة على اليونان ومنطقة البحر المتوسط.
تتمثل هذه التجربة في زراعة أنواع من الفواكه لا تنبت عادةً في هذه المنطقة، حيث تشتد درجات الحرارة في الصيف، وتكون أقرب إلى الاعتدال في بقية أيام السنة. ومن هذه الفواكه الآسيوية المنشأ المانغا والأفوكادو والليتشي والشيريموي والمكاديميا، وهي ثمرة تجربة علمية تجري في شبه جزيرة البيلوبونيز، التي تضم مساحات قاحلة، حسب وكالة «فرانس برس».
يأتي ذلك بينما أظهرت تقديرات الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ أن حوض البحر الأبيض المتوسط، وهو أحد البؤر الساخنة للتغير المناخي، سيشهد المزيد من موجات الحر والجفاف المتكررة.
وشهدت اليونان يوليو الماضي الشهر الأكثر حراً على الإطلاق وفقاً لبيانات الطقس الأولية الصادرة عن المرصد الوطني، بعد أن سجل يونيو أيضاً رقماً قياسياً.
«الشتاء لم يعد موجودا»
وبدا المُزارع بانوس أداموبولوس سعيدا وهو يتفحص ثمار المانغا التي دنا وقت قطافها في مزرعته بجنوب غرب اليونان، مع أنها من الفواكه التي لا تُزرع في اليونان الشهيرة بكروم الزيتون.
ولاحظ بانوس أداموبولوس (38 عاما) المقيم في كيباريسيا أن «الشتاء لم يعد موجودا»، فالأمطار لم تهطل منذ مارس الماضي على أرضه، ولا نبات من دون ماء، علماً بأن معظم دخله يتأتى من خسّ الآيسبرغ الذي يحتاج إلى الكثير من مياه الري.
وأكّد أداموبولوس، في تصريح إلى «فرانس برس»، أنه مهتم بزراعة الفواكه الغريبة المنشأ الأكثر مقاومة للظروف الجوية المستجدة، في الوقت الذي يتوقع فيه مزارعون أن يضطروا للتخلي عن بعض المزروعات مثل البطيخ.
- تحولت من خضراء نابضة إلى صحراء.. التغير المناخي يضرب قرى جبال نفوسة
- دراسة: 38 تريليون دولار تكلفة التغير المناخي سنويا بحلول العام 2049
وقد نبتت في حقله بالفعل بضعة أشجار مانغا وأفوكادو لا تزال قليلة جداً نسبياً في أرضه الممتدة مساحتها على 80 هكتاراً. ويعتزم بانوس أداموبولوس زرع 300 شجرة أخرى، ويفتخر بأنه تلقى بالفعل طلبيات لشراء محاصيل حصاده الأول المتوقع خلال هذا الشهر.
إنقاذ الزراعة
وأوضحت الباحثة في منظمة «ديميتر» الزراعية اليونانية التي تُجري الدراسة، تيريزا تزاتزاني، أن الهدف منها «إيجاد طرق للتعامل مع التغير المناخي، واستخدامه لمصلحة الزراعة. العام بأسره أصبح أشد سخونة، وهو ما يناسب هذه النباتات».
وتحتاج أشجار المانغا خصوصاً إلى كمية قليلة من الأمطار. وكان فصلا الشتاء الأخيران شديدَي الجفاف بالفعل، وفقاً لتيريزا تزاتزاني.
ومع أن أشجار الأفوكادو كانت أصلاً تنمو في كريت، وهي جزيرة كبيرة تقع إلى الجنوب، إلا أن العلماء لم يكونوا واثقين من قدرتها على التكيف مع ظروف البر الرئيسي لليونان.
من جهته، أشار مدير الاقتصاد الزراعي في منطقة تريفيليا، أنتونيس باراسكيفوبولوس، إلى أن بعض المنتجين تمكنوا من زراعة أشجار الأفوكادوا بكميات صغيرة في البيلوبونيز، لكنّ البرنامج يهدف إلى معرفة ما إذا كانت هذه المزروعات قابلة للحياة، وزراعتها مجدية على نطاق واسع.
كما أعرب عن أمله أن يكون هذا النوع من الابتكار مفيدا لإنقاذ القطاع من الكوارث المناخية المستقبلية، داعيا إلى استثمارات أوروبية.
التجربة ليست بديلا عن المنتجات الرئيسية
مع ذلك، لا يستطيع الحلّ المتمثل في زرع الفواكه الاستوائية تحقيق المعجزات. ولا يضم البرنامج راهناً سوى نحو عشرة مزارعين، وتقتصر مساحته المزروعة على عشرة هكتارات.
في حين أكدت تيريزا تزاتزاني أن «البرنامج ليس المقصود منه أن تكون هذه الفواكه بديلاً من المنتجات الرئيسية، مثل الزيتون أو البرتقال، ولكنها يمكن أن تكون بمنزلة مكمّل لها»، مضيفة أنها تعتزم توسيع التجربة، لتشمل مناطق يونانية جديدة.
وتعاني دول مجاورة المشكلة نفسها. ففي إيطاليا، بدأ المزارعون في صقلية مثلاً في إنتاج المانغا والموز والبابايا.
غير أن ثيودوروس ديميتراكاكيس، وهو مزارع يوناني آخر مشارك في التجربة، يرى أن الأمر سيستغرق «سنوات» حتى يصبح إنتاج الفواكه الاستوائية مربحا، وقال إنه على الرغم من حماسته لهذه التجربة، فإنه لا يملك الوسائل اللازمة لتكريس نفسه لها بشكل كامل، لأن مصدر رزقه، وهي شجرة الزيتون، تتطلب كل اهتمامه.
وأفاد بأن إنتاجه انخفض 60% العام الماضي بسبب الجفاف والحرارة المبكرة، مشيرا إلى أن قريته، كالكثير من القرى الأخرى في اليونان، تُحرم في أكثر الأحيان لساعات عدة خلال النهار من المياه بسبب النقص.
تعليقات