تنتشر أشجار «دم التنين» المعمرة والشبيهة بالمظلات على قمم جبال جزر أرخبيل سقطرى اليمني الوعرة، وتشهد على تنوع بيولوجي فريد من نوعه تتهدده أزمة بيئية كبرى في بلد فقير غارق في الحرب.
وتتسبب العواصف التي تزداد شدة سنة بعد سنة، باقتلاع هذه الأشجار التي يشتهر بها الأرخبيل، بينما تقضي قطعان الماعز على الأشجار اليانعة منها، ما يضع النظام البيئي الهش والفريد برمته في مواجهة خطر متصاعد.
ويوضح مدرس الرياضيات والمرشد السياحي الشغوف بالنباتات والحيوانات أحمد عدنان لوكالة «فرانس برس» خلال زيارة لجزيرة سقطرى «توفر الأشجار المياه وهي مهمة جدا لحياتنا»، محذرا «من دون الأشجار، سنواجه المشاكل».
وتقع جزيرة سقطرى في المحيط الهندي قبالة سواحل القرن الأفريقي بالقرب من خليج عدن، وهي أكبر جزر الأرخبيل الذي يحمل الاسم نفسه، ويتألف من أربع جزر وجزيرتين صخريتين صغيرتين.
ويسكن سقطرى نحو 50 ألف نسمة. وبفضل موقعه، تمكن الأرخبيل من تجنب الكثير من ويلات الحرب التي تسببت بمقتل الآلاف ودمار هائل في اليمن منذ اندلاعها في 2014.
وأرخبيل سقطرى مدرج على لائحة منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة «يونسكو» منذ 2008، نظرا لكونه موقعا استثنائيا من حيث التنوع الكبير في نباتاته ونسبة الأنواع المستوطنة فيه.
من بين 825 نوعا من النباتات تم تحديدها في الأرخبيل، يعتبر أكثر من ثلثها فريدا، وفقا للمنظمة الأممية. وتعد شجرة «دم التنين» التي تمتلك فوائد طبية، أكثرها تميزا.
لكن السكان والعلماء، على حد سواء، قلقون بشكل خاص على مصير هذه الشجرة المعروفة أيضا باسم شجرة «دم الأخوين» التي تواجه من جهة الارتفاع في درجة حرارة الأرض، ومن جهة أخرى الرعي غير المنظم، بالإضافة الى البناء العشوائي.
ويقول عدنان: «الماعز تأكل الأشجار الصغيرة التي أصبحت محصورة بالمنحدرات وفي الأماكن التي يصعب الوصول إليها»، مشيرا إلى أن الشجرة تستغرق ما يقرب من نصف قرن لتصبح قادرة على التكاثر. ويضيف: «لن يمر وقت طويل قبل اختفائها، إذا لم يتم التحرك» لإنقاذها.
نفاد الوقت
بحسب عالم الأحياء البلجيكي كاي فان دام، لا يزال الأرخبيل بمثابة «كنز للتنوع البيولوجي»، إلا أن «الوقت اللازم لحماية الأنواع الأكثر تميزا فيه قد ينفد قريبا».
وتنتشر الأشجار الميتة في محمية ديكسام قرب جبال هاجر في الجزيرة الرئيسية على ارتفاع 1500 متر بعدما دمرتها الرياح.
ويقول فان دام، إن العجز عن إعادة زرع الأشجار والعمل على تكاثرها قد يقضي على ما تبقى منها في غضون بضعة عقود.
وتواجه الأنواع العشرة المختلفة من أشجار اللبان في الجزيرة المصير نفسه. وبحسب دراسة استندت إلى صور مأخوذة من الأرخبيل، انخفضت أعداد هذه الأشجار بنسبة 78 بالمئة بين العامين 1956 و2017.
ويوضح عالم الأحياء أنه «إذا استمر هذا الأمر، فلن ترى الأجيال القادمة أشجار اللبان سوى داخل حدائق نباتية مع لوحة صغيرة كتب عليها: انقرضت في البر».
ويتعرض كذلك «نظام المناعة في سقطرى للخطر»، لأن تراجع التنوع النباتي سيؤدي إلى المزيد من تآكل التربة والانهيارات الأرضية، وفقا للعالم.
تعليقات