يعيش العرب والمسلمون اليوم في انتظار المخلص، سواء كانوا سنة أو شيعة، أحياناً يسمونه المستبد العادل وأحياناً يحنون لزمن الخلفاء الراشدين باعتباره الزمن المثالي للحضارة الإسلامية. الشيعة بعد وفاة الإمام الحادي عشر الحسن العسكري، والمعروف أنه لم ينجب، زعموا أن أبنه غاب الغيبة الصغرى التي استمرت سبعين عاماً، ثم قالوا إنه غاب الغيبة الكبرى وسيعود في آخر الزمن لإقامة الدولة العادلة، وهو حل سياسي ذو بعد ميتافيزيقي أشبه باليوم الآخر، واليوم يستند النظام الجمهوري في إيران الإسلامية على نظرية ولاية الفقيه، أي أن المرشد العام للثورة الإسلامية هو نائب المهدي المنتظر وهو معصوم بهذه الصفة، فلا يُسأل أمام البرلمان أو أي هيئة سياسية، وأوامره لا تعصى ويجب تنفيذها، أما رئيس الجمهورية المنتخب فهو يقود السلطة التنفيذية، ويسأل أمام البرلمان ولكن عليه تنفيذ توجيهات المرشد سواء كان من المحافظين أو التيار الإصلاحي، وتبلور هذا التيار على يد الخميني، فقبل الخميني كان المذهب الشيعي الإمامي يرفض التورط في السياسة، بحجة أن دولتهم لا يجب أن تقوم قبل عودة المهدي المنتظر من غيبته الطويلة، كما ساهم المفكر الإيراني علي شريعتي في تحريض الشيعة الإمامية على الثورة على شاه إيران، ونبذ الاتكالية التي تميزوا بها، أما المذهب الزيدي فقد أسس دولة في اليمن حتى قيام ثورة عبدالله السلال، بينما سيطر الفرع الثالث من الشيعة وهم الإسماعيلية على الدولة الفاطمية، كما أسسوا دولاً في خرسان.
لم يطلق الخلفاء بعد الرسول على أنفسهم الخلفاء الراشدين، وإنما تبلورت هذه التسمية في العصر الأموي، وغالباً أطلقت المعارضة على هذه الفترة اسم الخلفاء الراشدين، للتعريض بدولة الأمويين التي كانت ملكاً وراثياً، ثم روج الحنابلة لهذا الاسم في حملتهم على المعتزلة، وهم يرفعون شعار العودة إلى السلف الصالح.
عندما نعود إلى مرحلة الخلفاء الراشدين علينا أن لا ننسى الحقائق التالية: جميع الخلفاء كانوا من قبيلة واحدة وهي قريش. عمر بن الخطاب الذي عرف بعدله وزع العطايا بين المسلمين وفقاً لمساهمتهم في الدعوة الإسلامية، فمن حضر غزوة بدر ينال أكثر من غيره، ومن كان أقرب من ناحية النسب إلى الرسول ينال أكثر من غيره، معتمداً في ذلك على آية وردت في سورة الأنفال، «ويسألونك عن الأنفال قل الأنفال لله وللرسول»، والأنفال هي غنائم الحرب، حيث كان المقاتلون يأخذون أربعة أخماس الغنائم، ويعطون الرسول الخمس، وبعد الفتوحات في بلاد فارس ومصر والشام تعاظمت هذه الغنائم، حتى أصبح الصحابة من أغنى الناس في زمنهم، فكان سهم العباس بن عبد المطلب باعتباره أقرب الناس للرسول هو السهم الأكبر، بينما وزع الخليفة الثالث عثمان بن عفان العطايا والمناصب على أقربائه، وهو السبب الرئيسي في الثورة عليه، فيما بعد اعتمد العباسيون على قاعدة فقهية تقول إن الابنة لا ترث في وجود عم المتوفى، وابن جدهم العباس كان له السهم الأكبر في الغنائم، وبهذا فهم أحق بالخلافة من غيرهم، وفي هذا الصدد قال شاعرهم السيد الحميري «أن يكون وليس ذاك بكائن لبني البنات وراثة الأعمامي»، في التعريض بزعم العلويين حقهم في الخلافة.
اليوم لا يزال المسلمون والعرب في انتظار هذا المخلص والحاكم العادل والمستبد العادل، وهو ما يؤكد عدم قدرتهم على التوافق وفرض إرادتهم على من يحكمهم، وأن يكون الشعب هو مصدر التشريع، ولكن في ظل هذا الانقسام لن تكون هناك أي جدوى من الذهاب إلى الانتخابات، ما لم تُبن المؤسسات التي تراقب كل شيء، فالديمقراطية عندما توضع بين يدي شعوب لم تجربها على الإطلاق، تتحول إلى سلاح بين يدي طفل قد يقتل به نفسه أو يقتل آخرين. والآن يدعو التيار الإسلامي للعودة إلى ذلك الزمن المضيء والبهي وهو زمن الخلفاء الراشدين، بينما يدعو السلفيون للعودة إلى أي خلافة بما في ذلك الخلافة في زمن محمد بن عبد الوهاب، ويحن الكثر من العراقيين إلى زمن صدام حسين، ويحن الكثير من الليبيين إلى زمن القذافي، وهذا يعكس العجز عن تصور بديل للاستبداد ولهذا لم يبق انتظار المخلص، سواء كان المسيح أو المشايخ أو المهدي المنتظر، وعلى الرغم من أن المهدي لم يعد إلى الشيعة، إلا أنه عاد إلى السنة على هيئة محمد أحمد المهدي في السودان، كما عاد مهدي آخر في السعودية هو محمد بن عبد الله القحطاني، عندما سيطر قائده العسكري جهيمان العتيبي على الحرم المكي العام 1979، ولكن المهدي الجديد أصيب برصاصة قاتلة في أول المواجهة، فمضى بعدله ومعجزاته بعد أن تسبب في مقتل مئات المسلمين. تنظيم داعش كان في عجلة من أمره، فلم ينتظر عودة المهدي وإنما أعلن أن أبابكر البغدادي هو خليفة المسلمين، وليس الحضور الشخصي مهم لمبايعته، يكفي مبايعته على مواقع التواصل الاجتماعي، ولم يحرم الخليفة الجديد الاستعانة بتكنولوجيا الكفار لبسط خلافته، ليس فقط في العراق والشام وإنما في خرسان والمغرب العربي، وقد رأينا عدلهم بكل وضوح في سرت ودرنة وصبراتة.
مقالات الرأي تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي «بوابة الوسط»
تعليقات