Atwasat

عش طار.. وعش مافيش

فرج أبوخروبة الإثنين 02 سبتمبر 2024, 12:46 مساء
فرج أبوخروبة

منذ أن أصبحنا رهينة الفُرقاء، والمتتبع الشأن الليبي يزداد يقينًا بأن الحل ليبي - ليبي! ويتأتى ذلك بنبذ الخلاف، وتحلي الفرقاء بعزيمة الرجال، وشجاعة الأبطال، وشرف الخصومة، وإيثار مصلحة الليبيين عما سواها عبر كلمة جامعة، تصلح من حال البلاد والعباد، فالهموم متراكمة، والشجن سيد المكان والزمان، وناقوس الخطر يقرع أجراسه، وشبح التقسيم يلوح في الأفق، وثقافة القبلية والمناطقية تدق أوتادها بثبات، والتبعية تنفذ سياستها برسم خطوط عرضها وطولها لتنفيذ خريطتها على الأرض بأيادٍ ليبية خانعة.

وإذا ما تجردنا من عواطفنا ومشاعرنا التي قد تأخذنا إلى خائنة الأنفس، وتحللنا من جهويتنا البغيضة، ومررنا بموضوعية عبر مسيرة فوضوية عارمة سادت واستفحلت بعدما داست بالأقدام والجِزم على كل الأحلام والطموحات المشروعة، التي قادتها ثلة من متوشحي رداء الإسلام، وصولًا إلى ما نحن عليه من تأزم ومحن، وعندما تتجرد من بواعث الكينونة المستترة، فلك أن تقيم وتنتقد وتصحح.

لكن إن كنت أسيرها، وإن كان ذلك شأنك، فإنني لم ولن أذهب معك فيها، مجاملًا على حساب الحقيقة، فالتاريخ الذي عشنا، والذي قرأنا وسمعنا عنه، أخبرنا بمراحل مرت بها بلادنا بين حاكم وآخر، فالعلاقات الروحية، وأصحاب العقائد السياسية، ومؤيدو هذا أو ذاك، تبقى رهينة قناعات معتنقيها، ولكل منهم شواهده التي يسوقها بحسب ورودها كأدلة وبراهين يراها هو، وهذا أمر نحترمه وإن اختلفنا معه، لكن علينا أن نميز بين الغث والسمين، ولا نأخذ الأمور على علاتها.

كن من تكون، حب ما شئت، أجِلْ وقدس معبودك الذي اخترت، ولكن دع لنا مسافة نحترمُها جميعًا، نُراجع من خلالها المراحل وتداعياتها، آخذين في الاعتبار الاستفادة من إيجابياتها، وننبذ سلبياتها بروح رياضية عالية، كان من كان مرتكبوها، وننسى ماضيهم إلا بقدر العبرة والموعظة، فالحاكم فرد يخطئ ويصيب، والكمال في ذلك لله الأحد الصمد.

للسلطة مغرياتها وبريقها، وللجاه والمجد أثره وتأثيره، وللمال عابدوه، وللمتذبذب الذي لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء أسلوبه وطرقه للوصول، ولو على حساب كرامته، وللخُلص قيمة ومبدأ تُلزمهم الحد والتجاوز، فالسياسة نغصت حياتنا، يتعاطونها بروح الكره والبغض، والكيد والمكيدة، ففككت النسيج الاجتماعي، ودمرت الأنفس، وخربت الديار، وأخذت منا ما أخذت من الفعل وردات الفعل.

يتبارون في الذم والازدراء، والسخرية، يطعنون في من خالفهم، ويخونون من ناقضهم الرأي، ويقصون من يعارضهم، حجروا على غيرهم حرية التعبير إلا بما يوافق أهواءهم وغاياتهم، واحتكروا الفكر والأجندة والرؤى والتدبر، وكأنهم ملائكة الله على أرضه، لكل منهم مشاربه وخياراته وزواياه التي يرى من خلالها وطنه، وكيف يكون، بنظرة ضيقة، وفكر عقيم، ورؤى لا تصلح لإدارة مدرسة، ناهيك عن الكم المأهول من الحقد الماكن في نفوس البعض.

ظللنا الطريق، فتاه العقل وغابت الحكمة، وتشتت الفكر، فأصبحنا رهينة ماضٍ نجتره ونلوكه بريحٍ خمود، دون دراسة وتقييم لحاضرنا، واستشراف لمستقبلنا الذي لا نرى له أفقا قريبا.

وبحجج ومبررات عادوا وقالوا لنا نحن مع الاستحقاق الانتخابي، ومع ضرورة قيامه، ولكن «ما بيننا وبينه القوة القاهرة»، دونما ذكر للتنوير ما هي القوة القاهرة!!؟ فهل هي حاشية أم ماشية؟!

ومن تصريحات المستشارة الخاصة للأمين العام للأمم المتحدة السابقة «ستيفاني ويليامز» نقتبس منها: «إنني على استعداد للعمل مع المؤسسات الليبية المعنية، ومجموعة واسعة من الأطراف المعنية لمواجهة هذه التحديات. من خلال المساعي الحميدة وجهود الوساطة، أدعو المؤسسات المعنية إلى احترام ودعم إرادة مليونين وثمانمائة ألف ليبي مسجلين للتصويت، والإسهام في حل الأزمة السياسية بليبيا وتحقيق الاستقرار الدائم.

يجب إجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية في الظروف المناسبة على قدم المساواة، مع ضرورة احترام ضمان تكافؤ الفرص بين الجميع، لإنهاء الانتقال السياسي سلميا، ونقل السلطة إلى مؤسسات منتخبة ديمقراطيا».. انتهى الاقتباس، ليلحق به بيان الخمس الكبار: ألمانيا وفرنسا وإيطاليا والمملكة المتحدة والولايات المتحدة الأمريكية، الذي يتماهى مع تصريحات المستشارة ويليامز، بل يشيد بها وبتحركاتها واستنتاجاتها التي تصب في مصلحة حكومة الوحدة الوطنية، وذلك ببقائها في السلطة حتى انتهاء الانتخابات التي لم يحدد لها موعد قطعي حتى الساعة.

وفي الاتجاه نفسه، أطلقت السفيرة البريطانية تدوينتها المستفزة بتدخلها السافر في شؤوننا الداخلية، حين أكدت استمرار حكومة الوحدة الوطنية في عملها إلى أن تأتي سلطة منتخبة جديدة.

وبهكذا تدخلات خارجية وإملاءات تخدم أجندات مستوردة، وبتخاذل الساسة ومراوغتهم، واللعب على مشاعر وطموحات الليبيين المتواضعة، ندور في فلك المجتمع الدولي المنقسم بدوره حول أزمتنا المتأزمة بتدخلهم، ومساندتهم لأعوانهم في الداخل، فلا البرلمان يملك قراره، ولا المجلس الأعلى للدولة فاعل ومؤثر إلا بقدر الاستفادة من استمراريته وأعوانه، ولا أحد له من القدرة على إعادة توازن الاختلال البين.

وسنظل ننتقل من شهر للذي بعده في دورة شمسية كاملة طيلة السنة إلى ما شاء الله، وسيتحفوننا بخريطة طريق تتلوها أخرى، ونحن ننتظر العرس والعريس، والخير الذي وعدنا.

مقالات الرأي تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي «بوابة الوسط»