Atwasat

أما آن لهذا (الكيان) أن يختفي؟

عمر الكدي الإثنين 12 أغسطس 2024, 06:05 مساء
عمر الكدي

انتخب المؤتمر الوطني العام في 2012 بعد أكثر من 45 عاماً، من آخر انتخابات برلمانية تشهدها ليبيا، في أجواء سادها التفاؤل بمستقبل البلاد، خاصة وأن جميع التيارات كانت ممثلة في أول جسم تشريعي منتخب منذ العهد الملكي، ولكن انتشار السلاح والتأخر في احتواء الميليشيات التي تكاثرت في غياب الدولة، أدى في 2014 إلى هجوم فجر ليبيا على العاصمة ومحاصرة مقر المؤتمر الوطني في فندق ريكسوس، وإجباره على إصدار قانون العزل السياسي، الذي أطاح برئيس المؤتمر محمد المقريف، وتطورت الأمور بخطف رئيس الحكومة علي زيدان وإجباره على مغادرة البلاد، وانتخاب عبد الله الثني رئيساً للحكومة، الذي فر إلى غدامس قبل أن يجد نفسه في البيضاء، حيث تحول إلى رئيس حكومة صوري منع حتى من السفر عدة مرات.

على الرغم من أن مهام المؤتمر الوطني كانت مهام انتقالية، في ظل عدم الاستفتاء على الدستور المرتقب، إلا أنه تصرف كجسم تشريعي بكامل الصلاحيات، وفي العام 2016 انتهت الفترة القانونية له، ونظمت انتخابات كانت نتيجتها ظهور جسم تشريعي آخر وهو مجلس النواب، الذي وفقاً للدستور الذي لم يصدر بعد اتخذ من بنغازي مقراً له، وفي ظل الأوضاع الأمنية المتردية التي كانت تمر بها المدينة، اختار أن يعقد جلساته في مقره المؤقت بمدينة طبرق، وفجأة عاد المؤتمر الوطني بقناع جديد هو المجلس الأعلى للدولة برئاسة عبد الرحمن السويحلي، وأصبح للبلاد جسمان تشريعيان وثلاث حكومات، قبل أن تختفي حكومة وتبقى اثنتان، وتكون الجسم التشريعي الجديد وغير المنتخب من أعضاء المؤتمر الوطني السابق، وبعض أعضاء مجلس النواب من الغرب والجنوب، الذين لم يستطيعوا مزاولة مهامهم في طبرق، بينما هيئة الدستور تقلب أوراقها في البيضاء وتنتخب رئيساً جديداً بدل علي الترهوني، ومنذ ذلك الحين لم يصدر الدستور، على الرغم من أن الدستور الملكي الذي صدر في أكتوبر العام 1951 لم يستغرق إلا عدة أسابيع لصياغته واعتماده.

مجلسان تشريعيان. قال بعض فقهاء القانون الدستوري يمكن قبول ذلك، على اعتبار المجلس الأعلى للدولة مجلساً للشيوخ، مهمته مراقبة مدى دستورية قررات مجلس النواب، ولكن تحول المجلسان إلى عقبتين في الخروج من عنق الزجاجة، فكل ما يصدره مجلس النواب يعارضه مجلس الدولة، قبل أن يتفاوضا في الصخيرات وبوزنيقة وجنيف وروما وبرلين والقاهرة، وهذه الجولات غيبت الشعب كمصدر للسلطات، وحل محله المبعوثون الدوليون الذين في كل مرة يختارون رئيساً للحكومة، من السراج إلى الدبيبة، وفي الشرق ذهب الثني وجاء أسامة حماد تحت سطوة حفتر وأبنائه، أما رهين المحبسين عقيلة صالح، فمرة يظهر في طبرق وأخرى يظهر في القبة، بينما يتعاظم نفوذ الروس وفاغنر وغيرهما في الشرق، ونفوذ الأتراك والطليان والأميركان في الغرب، وكأننا لا نزال في أجواء الحرب الباردة.
انتهى المؤتمر الوطني منذ أن ظهر رئيسه نوري بوسهمين مع هيثم التاجوري في الفيديو الشهير. رئيس الدولة متورط في قضية لا أخلاقية بينما يفضحه ويبتزه قائد إحدى الميليشيات، بينما انتهت صلاحيات مجلس النواب العام 2020، وها هي الأزمة تعصف برئيسي المجلس الأعلى للدولة السابق والحالي، وتكشف عن تكالب الاثنين على الغنيمة.
يذكرني هذا المجلس بشخصية ميدوسا في الأساطير الإغريقية، فميدوسا كانت فتاة جميلة تعمل في معبد أثينا، ولكن إله البحار بوسيدون يغويها ويمارس معها الفاحشة في المعبد، فتغضب عليها الآلهة وتحولها إلى فتاة قبيحة، بحيث تحولت خصلات شعرها الجميل إلى أفاعٍ وثعابين، وتحولت إلى لعنة فكل من ينظر إليها يتحول إلى حجر، وها هو الشعب يتحول إلى قطع من الحجارة، وهو يشاهد أفاعي المجلس تتقاتل على ورقة.
إن اختفاء هذا المسخ أصبح أولوية عاجلة، فوجوده يعرقل الخروج من عنق الزجاجة، كما أن اختفاءه سيعجل في اختفاء الثاني مجلس النواب، فالجسمان غير شرعيين وفقا للوائح الهيئة الوطنية للانتخابات، واستمرار هذين الجسمين هو استمرار للأزمة.

مقالات الرأي تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي «بوابة الوسط»