لقد ثبت لدى «إسرائيل» وحلفائها، قبل أعدائها، أن أهم خاصية أو قدرة كان يُعتقد أنها تتمتع بها، وهي القدرة على ردع أعدائها في المنطقة، قد تحطمت يوم السابع من أكتوبر 2023 والأشهر العشرة التالية، فهذا «البعبع» الرادع فشل ليس أمام جيش دولة أو جيوش دول، وإنما في مواجهة قوى المقاومة الفلسطينية، التي أعدت نفسها للنزال بخبرة وحنكة وذكاء وإبداع في اجتراح أساليب المقاومة المتكيفة والمتجددة وفق المعطيات الميدانية.
وهذا الفشل لا يمس «إسرائيل» وحدها، وإنما يطال كذلك القوى الاستعمارية الإمبريالية الغربية الداعمة لها، وفي طليعتها أميركا.
ولاستعادة هيبة الردع، قامت «إسرائيل» باغتيال أحد أبرز القادة العسكريين في حزب الله اللبناني ببيروت، ثم قفته باغتيال إسماعيل هنية، رئيس المكتب السياسي لحركة «حماس»، في طهران.
لكن هذا عمل استخباراتي تجسسي لا يمثل نجاحه استعادة للردع، ذلك لأن الردع يكون في جانب قوة التفوق في الفاعلية العسكرية.
الآن، بعد عمليتي الاغتيال هاتين، تحبس المنطقة أنفاسها في انتظار اشتعال حرب واسعة قد تتطور إلى حرب عالمية ثالثة تهدد بدمار كوكب الأرض، فمن جانب هناك إيران وحزب الله (إضافة إلى قوى إسناد أخرى في فلسطين وسورية والعراق واليمن)، وبالجانب المقابل هناك «إسرائيل» وراعيتها أميركا المتعهدة بـ«الدفاع» عنها.
لكن يبدو لنا أن الأطراف في الجانبين واقعة تحت سيطرة الإحراج، أو بالأحرى الانحراج، فهذه الأطراف مجتمعة لا ترغب في ارتفاع وتيرة الحرب وتوسيع نطاقها، لكنها تجد نفسها في موقف محرج يقتضي منها القيام بفعل ما، فـ«إسرائيل» دفعها «انحراجها» إلى الإيهام بأنها ما زالت تمتلك إمكانية الردع من خلال قيامها بعمليتي الاغتيال المشار إليهما الموجعتين فعلا، وحزب الله اللبناني يجد نفسه منحرجًا بضرورة الرد على عملية الاغتيال هذه ردًا موجعًا يتجاوز ما عُرف في الفترة الماضية بمراعاة قواعد اشتباك ضمنية، وكذلك هو الشأن بالنسبة إلى إيران التي تجد نفسها مضطرة إلى الرد باستهداف عمق فلسطين المحتلة، وأميركا تجد نفسها ملزمة بالدفاع عن «مرعيتها» إسرائيل.
وبناء عليه، نستبعد أن يتطور الأمر إلى حرب واسعة شاملة، فأميركا لن تقوم بقصف الداخل الإيراني، وستمنع إسرائيل من القيام بذلك، وإنما ستكتفي بالتصدي للصواريخ والمسيرات التي تنطلق من لبنان وإيران ومن مناطق أخرى، وإيران وحزب الله لن يقوما باستهداف القطع البحرية الحربية الأميركية في المنطقة، وغالبا ستطلب من الحوثيين وقوى المقاومة في سورية والعراق عدم القيام بهذا الاستهداف.
لذا نرجح أن تنتهي هذه الحرب بحالة لا غالب ولا ومغلوب، لتخرج جميع الأطراف من حالة الانحراج.
مقالات الرأي تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي «بوابة الوسط»
تعليقات