Atwasat

أميركا إلى الأفول (2-2)

فرج أبوخروبة الجمعة 26 يوليو 2024, 04:58 مساء
فرج أبوخروبة

تأتي بهذا الدولار وهذا النظام المصرفي إلى منصة الإعدام رميًا بالرصاص، لماذا؟

لأن النظام المصرفي والعملة ليس كالعسكر، الثقة هي علامة القوة في وضع العملة وفي النظام المصرفي،

لذلك لا تجد دولة مثلًا تشتري عملة دولة لا تثق في عملتها عندما يكون وضعها غير مستقر ..

إذا فقدت الثقة مهما كانت المغريات، لا تذهب إلى تلك العملة حتى تذهب إلى نظام مصرفي ضعيف! فمثلًا:

الأزمة التي يعيشها المصرف اللبناني، وما كشف عن سوء الأمانة والسرقات، والتحويلات !! فهل يمكن للبناني بعد كل هذا أن يأتي بأمواله إلى المصرف؟! كلا .. بل يفضل اكتنازها بمنزله عوضًا عن الذهاب إلى المصرف.. والتي تفعله أميركا الآن، هو هذا.

الآن أي شخص مستثمر أو دولة، سيقول أميركا ليست دولة موثوقًا بها كي نضع أموالنا بعملتها أو مصارفها، لأنها عندما تسطو بعملية قرصنة مكشوفة مفضوحة على أموال دولة تقدر بـ300 مليار دولار، تسرقها من دولة لأنها على خلاف معها في السياسة..
هذه الأموال لم تكن عند أميركا بالأساس، هي أموال وضعتها روسيا في مصارفها ..

أما إذا كانت تريد لهذه المصارف أن تحافظ على الثقة، أي أن يأتي من يملك مالًا ويضع أمواله عندها، ما هو المعيار؟ خاصة أنه يعلم بأن الخلافات السياسية ليست معيارًا ولا شرطًا، لكي يحق لأميركا أو غيرها أن تقترب من الودائع وتتصرف بها بمجرد الخلاف!!
في الماضي كانت تفعل أميركا شيئًا آخر، تقول ممكن مصادرة الأموال من المصارف ولكن بشرط أن يصدر بذلك قرار من مجلس الأمن الدولي، وكان هذا مقبول نسبيًا على مستوى العالم، لماذا؟ لأنه لا يمكن لمجلس الأمن أن يتفق خاصة بالأعضاء الذين يملكون حق النقض، أي الدول الخمس دائمة العضوية، إلا إذا كان هناك ما يستحقه..

سرقوا أموال العراق تحت عنوان النفط مقابل الغذاء، وسرقوا أموال ليبيا تحت عنوان تجميد الأموال الليبية بعد سقوط القذافي تمهيدًا لمصادرتها لاحقًا، لأن لا وجود لقرار من مجلس الأمن يغطي سرقتهم المالية التي يجري قرصنتها علنًا!!

إن أميركا وشركاءها الغربيين يأتون إلى أموال خصمهم السياسي، مستغلين الثقة المصرفية، لأنه لولا الثقة المصرفية لما كانت روسيا تضع هذه الأموال في مصارفهم. وبعملاتهم المرتبطة بالدولار ..

فهم يستخدمون الثقة بالمصرف الأميركي والغربي، والثقة بالعملة الأميركية والأوروبية التي تزعزعت أمام أول اختبار سياسي، في حين أن الولايات المتحدة الأميركية كانت قد بدأت بالفعل في استغلال هذه القوة لصالحها بعد أن أقنعت الغرب بأن روسيا قد تصبح أقوى دولة في العالم عسكريًا واقتصاديًا، ولذلك أقامت الحجة عليها بعد الحرب الأوكرانية، وأصبح لزامًا الحد من تغول موسكو على أوكرانيا بعدما نجحت في ضم جمهورية القرم رسميًا إلى روسيا في 21 مارس 2014 بعد استفتاء القرم 2014 الذي أقيم في 16 مارس 2014 حينما كانت القرم تنتمي لأوكرانيا تحت اسم جمهورية الحكم الذاتي في القرم، ولجم تطلعاتها وأطماعها الكامنة، في السيطرة على دول أخرى ككازخستان وبولندا وجورجيا وبلاروسيا وغيرها، لتحقيق حلم القوميين الروس القديم..
ووقوف روسيا الاتحادية في طريق زحف أوروبا الغربية نحو الشرق!!

لكل منهم غاياته للهيمنة والسيطرة على مقدرات الشعوب الأخرى، ولكل منهم طريقته لبسط نفوذه، لذلك كانت أوروبا وأميركا قد اتفقتا على هزيمة روسيا، وفرض عقوبات اقتصادية ومالية ضدها، ومنها مصادرة أموالها حتى ولو كانت ضد القوانين الدولية والإقليمية والاتفاقات والمعاهدات التي صدرت في هذا السياق والقفز عليها، أي بمعنى بلطجة ممنهجة، وهذا أمر غير منطقي وغير مقبول، ولا يمكن أن يحدث في أي وقت، إلا وفق معايير محددة يتفق عليها أعضاء المجتمع الدولي الذي تعتمد على أساس قانوني..

وأول من يحسب لهذه الظاهرة المريبة هم العرب، لأنهم أصحاب الصناديق السيادية والصناديق الائتمانية والمحافظ من السندات .. ففي لحظة يمكن لأميركا أن تغضب بخلاف سياسي، فتقرر عقوبات على دولة مثل السعودية أو الإمارات أو غيرهما من الدول العربية، وتضع يدها على أموالها، ثم تقرر التصرف بهذه الأموال ..

هذا الذي حدث الآن، وهذا الذي يحدث بالمعنى التاريخي الدقيق، وبعد ما يناهز 248 سنة من عمر أميركا، هو أن الرئيس الأميركي الحالي «جو بايدن» الذي يتعرض اليوم لأزمة تضرب الخلل المعرفي، الوظائف العقلية بما في ذلك الذاكرة، والانتباه، واللغة، والتفكير، وحل المشكلات، ويسمى هذا بالضعف الإدراكي، الأمر الذي جعله يتصرف بجنون، كما وضع عقائديته فوق المصالح الأميركية، في معركة غزة، حيث كان يجب أن يتصرف من موقع المصلحة الأميركية، والمصلحة الأميركية تقتضي مخاطبة الرأي العام العربي، كوسيط نزيه في هذه الحرب، بل قرر كعقائدي حاقد أعمى الوقوف إلى جانب كيان الاحتلال ..

هكذا هو !! بجنونه ذهب إلى بعيد بالحقد الدفين ليضرب النظام المصرفي لأميركا! والعملة الأميركية، كمن يطلق النار على قدميه قبل السباق.

مقالات الرأي تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي «بوابة الوسط»