Atwasat

قاعدة أميركية فعلية

عمر أبو القاسم الككلي الأحد 19 نوفمبر 2023, 06:15 مساء
عمر أبو القاسم الككلي

بداية ثمانينيات القرن الماضي، كنت أقول، من موقع بين الأمل والتوقع، أننا سوف ندخل القرن الواحد والعشرين بدون جنوب أفريقيا و«إسرائيل» كنظامين عنصريين.
أحد الأصدقاء قال لي، بالنسبة إلى جنوب أفريقيا ممكن جداً، لكن في ما يخص إسرائيل الأمر مستبعد.
لقد تحقق التوقع بعد أقل من عشر سنوات بالنسبة إلى نظام جنوب أفريقيا العنصري، الذي تزامن قيامه مع تنصيب «دولة إسرائيل» سنة 1948، حيث تفكك سنة 1990.

لقد آل هذا النظام إلى هذا المآل بفعل النضال التحرري الصبور المتواصل للأكثرية الأفريقية السوداء في جنوب أفريقيا. ولأن جنوب أفريقيا لا تعتبر «قاعدة متقدمة» للغرب الإمبريالي بزعامة أميركا فلم يسارع هذا الغرب إلى محاولة إنقاذ النظام العنصري فيها. إنها لا تمثل موقعاً استراتيجياً جيو- سياسياً والنفوذ الغربي، البريطاني والفرنسي خصوصاً، مهيمن في أفريقيا، لذا لا يترتب عن سقوط هذا النظام إضرار بمصالح الغرب الإمبريالي هناك ولا نتائج تقلب البعد الجيو- سياسي المرغوبة استدامته.
الأمر مختلف تماماً في حالة «دولة» العدو الصهيوني الذي يمثل بالنسبة إلى الغرب الإمبريالي، أميركا بالذات، قاعدة متقدمة في المنطقة يسعى، بالسبل كافة، إلى الحفاظ على بقائها وتقويتها لتلعب دور الشرطي الفاعل في منطقة الشرق الأوسط باعتبارها مجالاً حيوياً لمصالح الغرب.

يبدو لي أن أهمية «إسرائيل» من حيث هي شرطي الغرب في المنطقة قد تراجعت، نظرياً على الأقل، منذ حادثة احتلال العراق للكويت. فهذه الواقعة أثبتت أن هذا الشرطي يعجز عن فعل أي شيء في حالات مفصلية كهذه وأن الغرب، لذلك، يضطر إلى التدخل المباشر مجتمعاً لإعادة الأمور إلى نصابها. كما أن الكيان الصهيوني لم يكن قادراً على تقديم عون يذكر إلى أميركا في غزوها العراق سنة 2003، أو مساعدتها على البقاء فيه.
لكن طوفان الأقصى كشف عن أن بعبع «إسرائيل» القوي الذي يهدد به الغرب المنطقة إنما هو مجرد فزاعة.
صحيح أن كيان العدو الصهيوني قادر، بكفاءة، على القيام بالمذابح وعمليات الإبادة الجماعية ضد المدنيين دون تمييز بين النساء والأطفال وسواهم وهدم البيوت والمباني ومصادر الحياة الضرورية، إلا أنه يعجز عن إحراز نصر واضح عندما يتعلق الأمر بحرب ضد «جيش» غير تقليدي تكون المواجهة فيه وجهاً لوجه من مسافات قصيرة ويتبع تكتيكات مبتكرة لا تتدرب عليها الجيوش التقليدية.

لقد فضحت عملية طوفان الأقصى والتصدي الباسل الذي تجترحه المقاومة الفلسطينية ضد جيش هذا الكيان هشاشته وعدم قدرته على «الدفاع عن نفسه». وبذا ذوى بريق هذا الشرطي. وكما يقول مفكر استرتيجي لبناني، أصبحت «إسرائيل» هامشية بالنسبة إلى أميركا، الأمر الذي يقتضي تحويلها إلى قاعدة أميركية فعلية.
وفي هذه الحالة، يكون قدر من توقع زوال «إسرائيل»، ككيان عنصري متغول في المنطقة، قد تحقق.