Atwasat

نداء شهداء درنة... لكل ليبيا (حتحات على ما فات)

خليفة محمود النواع الأحد 01 أكتوبر 2023, 12:44 مساء
خليفة محمود النواع

لعل زوبعة عاصفة دانيال، وما خلَّفته في شرق ليبيا، كانت رحمة من الله بدولة ليبيا؛ فلا تجعلوها نقمة. رحمة اصطفى بها المولى سبحانه وتعالى صفوة من الشهداء من مدينة درنة وضواحيها، أرادهم لجوار خير خلقه محمد رسول الله «صلى الله عليه وسلم»، في جنة النعيم، جنة الخلد ونعيمها، ونسأل الله العظيم، بعظيم رحمته، أن يكرم نزلهم في عليين، وأن يجعلهم شفعاءنا يوم لقائه عما ارتكبناه من آثام وعبث بوطننا وثرواتنا وأبنائنا، وما خلفه صراعنا الذي أشعلته شياطين الأيديولوجيات السياسية، والتوجهات القبلية والمناطقية والعرقية، والتطرف الإسلامي والجهوي، وما قدمناه من ضحايا من خيرة أبنائنا.

فليعلم الجميع، أننا فيما قمنا به من صراع دامٍ بيننا، حتى وإن كانت أسبابه فتنة وصراعات أيديولوجية؛ نتاج التطرف في التوجهات، فإننا في المجمل لم نخالف سنة خلق الله سبحانه وتعالى. فمنذ خلق سيدنا آدم عليه السلام، وظهور أول نسل له على الأرض، المتمثل في سيدنا هابيل وقابيل، بدأت سنة الحياة بقتل الأخ لأخيه، فقتل قابيل أخاه هابيل، وندم على قتله أشد الندم، وعجز عن إخفاء فعلته، لولا أن رأى الغراب ودله على دفن أخيه. ولكن الحياة لم تتوقف، ولم تنته، ولم تستمر كئيبة بالصراعات الأبدية، فبدأت حياة الإنسان وتناسله وتكاثره، برغم استمرار تخلل الصراعات الدامية بين الأخوة البشرية على مر العصور.

اليوم، وقد منَّ الله علينا بنعمة الطبيعة وآثارها، وما قدمته لنا هذه العاصفة الطبيعية، المسيرة بأمر خالقها والتي اختير لها اسم النبي دانيال «عليه السلام» علمياً، لتميز عن غيرها مما سبقها، ومما يتلوها، لتحط رحالها بمدينة الجمال والزهور، جنة الفواكه والشلال، وزهرة الجبل، مدينة الحضارة والتاريخ والأخلاق، وتصطفي خليطاً من الأمة الليبية المتشابكة، شهداء إلى جنة الخلد بإذن الله، وتزفهم في حلة جميلة بهية، من كل الطيف الليبي، من مختلف مدن ليبيا الذين زفوهم بالدموع، التي امتزجت بتراب درنة الطاهر، وكل تراب ليبيا في كل مدنها، ليكون اليوم الذي يحلم به الليبيون منذ 12 سنة، وهم ينتظرون هذا اليوم الذي يجمع كل الطيف الليبي المترابط المسلم، ليعيد وحدته، ويلملم شمله.

فالحمد لله، حمداً يعجز عنه الحامدون ممن سبقونا ومن يأتون بعدنا، أن سخر الله لنا شهداء إعصار دانيال؛ لتجميع كل شتات ليبيا الممزق، في مكان واحد، وعلى قلب رجل واحد، يعزي، يبكي، وينحب، على شهداء درنة، وطيفها الذي يفوح مسكا من ثرى دمائهم الزكية.

فشكراً لهولاء الشهداء، وتخليداً لهم، وفرحاً بزفتهم لجنة الخلد، علينا كل الليبيين، بكل توجهاتنا وأفكارنا، أن ندفن حقبة الصراع، تلك الحقبة البائسة التي انطلقت بعد 17 فبراير من عمر ليبيا، وأن نطوي صفحة هذه الحقبة المريرة، وصراعاتها وترهاتها، لوجه الله، وإكراماً لهولاء الشهداء البررة الذين جمعوا شملنا.

وقد آن الأوان الآن، وعلينا جميعاً أن نحسم أمرنا جذرياً، ونطوي آثار صراعنا، وأن نضم كل من سقطوا من الليبين في كل ربوع ليبيا، في الحروب والصراعات التي تولدت بين الليبيين منذ انطلاق 17 فبراير 2011 إلى تاريخه، إلى قافلة وكوكبة شهداء هذه الظاهرة الطبيعية «عاصفة دانيال» شهداء درنة والمناطق المحيطة، وأن نعتبر ما قدر لنا من صراعات وحروب، هي عبارة عن ظاهرة طبيعية أيضاً مما سنه الله وكتبه على خلقه، كما كتبه على من قبلنا، منذ صراع هابيل وقابيل، وما تبعه إلى يومنا هذا، الذي فجعنا به بهذا العدد من الفقد الكبير؛ الذي عزاؤنا الوحيد فيه أنهم شهداء، وبهم التأم شمل الوطن، وعادت البسمة لأهله في كل بقاعه.

فلتتوحد الجهود بكل جد، لنطوي صفحة الصراع والانشقاق والانقسام، ولنتعاضد ونتوحد، ونضمد جراح بعضنا التي تعمقت، وأن نقول في «يوم الشهيد» يوم استشهاد شيخ الشهداء «عمر المختار» ما قاله الملك إدريس رحمه الله: «حتحات على ما فات»، ولننطلق في الاندماج والتقارب والتوحد، حتى في ظل وجود الاختلاف في التوجهات، وأن نقبل بعضنا البعض، وأن نعلن «يوم الشهيد» 16 سبتمبر 2023 يوم طوي صفحة الماضي، والعودة على أساس الأخوة والمودة، والحب والتآلف، الذي صنعته مدينة درنة، التي خبرت قبله صنع «ميثاق الحرابي» عام 1946.

مدينة درنة التي جمعتنا أرواح شهدائها من كل صوب من ليبيا، وأن نقول بأعلى صوت «حتحات على ما فات يا ليبيا». رحم الله شهداء عاصفة دانيال، شهداء درنة والمدن المجاورة لها.
دعونا ننطلق جميعاً لبناء دولة العدل والقانون يداً بيد... دولة ليبيا الجديدة التي تجمع شمل الليبيين، وتوحد كيانهم، وتلملم شتاتهم، وتوحد كلمتهم، وتبني لهم وطناً يجمع الجميع، ويطوي صفحات الماضي بكل ما فيها من آلام. قولوا يا الله.