Atwasat

أولويات درنة الراهنة ومعضلة ليبيا المستمرة

وليد ماضي الخميس 21 سبتمبر 2023, 02:33 مساء
وليد ماضي

أحد أبرز التحديات التي تُثقِل كاهل الجهود الرامية لإدارة الكارثة التي ألمت بمدينة درنة الزاهرة وإعادة بنائها هو محاولة ربطها بالواقع السياسي الليبي المعقد وحالة الانقسام المؤسسي. فمن الواضح أننا كليبيين نواجه صعوبة كبيرة في إنتاج مشروع وطني وإدارة خلافاتنا وبناء توافقات حول القضايا المهمة التي يتحقق بالتوافق حولها السلام الدائم، بحكم أن كل التسويات السياسية التي تمت هي تسويات هشة سعت لتجميد الصراع وليس لحله، وتمكين قوى أمر واقع محددة والحفاظ على مصالح أطراف داخلية وخارجية.

لذلك فإن استنهاض هذه المدينة من الركام يحتّم عدم ربطها بأي حسابات سياسية تتعلق بالصراع والانقسامات السياسية اللامتناهية، وبالتالي فصل قضية درنة تمامًا عن الدائرة المفرغة التي تعيشها ليبيا على المستوى السياسي والمؤسسي، ووضع أولويات المدينة فوق كل هذه الاعتبارات، بعيدا عن توظيف الأزمة لتحقيق مكاسب سياسية.

فدرنة مازالت في قلب الكارثة، ولديها احتياجات عاجلة للتخلص من أعباء هذه المصيبة ولمقاومة عوامل الاندثار الطبيعية والبشرية، كما أن أجساد الشهداء مازالت تحت الركام وتقذف بهم الأمواج، وعبق رائحتهم يملأ أجواء المدينة، لذا لا يمكن تحميل درنة ما لا تحتمل من مشاكل ليبيا ومعضلتها السياسية. فرغم الروح الوطنية والإنسانية الاستثنائية التي عمت الوطن في مواجهة هذا الكارثة، ورغم أن درنة بالفعل هي منطلق حقيقي لمشروع وطني مأمول، ولكن المدينة لها أولويات وأهداف ملحة سواء على المدى القريب أو البعيد لا تغيب بالتأكيد عن فكر أبنائها ومن يهمه مصلحتها.

أهم تلك الأولويات هي إفراز مؤسسات محلية بديلة لإدارة الكارثة، من أهمها مجلس بلدي جديد يمثل واجهة لدرنة، وينظم عمل المؤسسات المحلية، ويحصر الأضرار، ويهتم باحتياجات المجتمع الدرناوي، ويتابع مع الحكومات القائمة الإجراءات العاجلة المطلوبة للمتضررين من أبناء المدينة. من أهم الأولويات كذلك المطالبة بعقد مؤتمر دولي حول درنة يفرز لجنة دولية للإشراف على إعادة إعمار المدينة؛ بحيث تشرف على عملية إعادة الإعمار مكاتب استشارية عالمية تقوم بتحليل أسباب الكارثة وإعادة تخطيط المدينة وفق معايير السلامة والأمان، والحفاظ على الهوية التاريخية والثقافية للمدينة، على أن تتولى التنفيذ شركات عالمية مختصة، بعيدًا عن بالوعة الفساد المحلية وسوء الأداء الحكومي.
لا يمكن التغافل عن المطالبة بمحاسبة كل من تسبب في هذه الكارثة دون استثناء، فالأسباب البشرية ظاهرة، والفساد الّذي قتل أبناء درنة سيقتل أبناء الوطن في أماكن أخرى. وأولًا وأخيرًا، فإن أهم الأولويات والواجبات العاجلة والمستحقة بشكل فوري هو دعم المجتمع الدرناوي القائم بكل الوسائل المادية والمعنوية والدعم النفسي لتجاوز هذه الكارثة التاريخية التي لها، بالتأكيد، جوانب متعددة وآثار مهولة، يترتب عليها احتياجات وأولويات أخرى كثيرة يدركها أكثر من يعملون على الأرض ويعايشون الواقع.