بالرغم من حجم المأساة التي حلت بهذه المدينة الضاربة بجذورها في عمق التاريخ، وبحلة نسيجها الاجتماعي متعدد الألوان والأصول، وكذلك باقي مدن الشرق الليبي التي واجهت هذه العاصفة المدمرة،
وبالرغم من حجم هول الكارثة، إلاَّ أن القدر اختار مدينة درنة لتجتمع على أحزانها كل الجغرافية الليبية، ولعل هذا الحدث المفجع الذي آلم قلب كل ليبي وليبية، يكون هو الجسر المفقود للعبور إلى الوحدة الوطنية المفقودة منذ عقدٍ من الزمن، وتكون هذه الحادثة المفزعة هي عنوان عريض يلتقي فيه الليبيون لبناء دولةٍ قادرة على توفير العيش الكريم وسبل الرقي والتقدم والازدهار والأمان الحقيقي، الذي أساسهُ العدل والبناء في كامل مؤسسات الدولة، وتطوير بنيتها الاجتماعية لتكون قادرة على مواجهة التحديات المحيطة والمستقبلية، ولعل اللحمة الليبية اليوم بينت مدى صلابتها وأنها أقوى من جميع المؤامرات، التي حاولت تفتيت البناء الداخلي للوطن الليبي وتقسيمهِ لشيعٍ وطوائف متفرقة هشة ضعيفة، إننا إذ نترحمُ على شهداء هذه العاصفة التي أتت بالفواجع إلاَّ أنّ هناك بريقًا من شعاع النور بأن يُبصرَ الليبيون المستقبل قليلا، وأن يعملوا بشكلٍ متحدٍ متناسين جراح الماضي ليصنعوا غدًا مشرقًا..
لكي يبقى هذا الكيان قويًا متماسكًا متناسقًا مع حركة التطور العالمي وحركة التاريخ الإنساني، كما جمعت درنة دولا مختلفة ومتعددة عبر أطقم الإغاثة والإنقاذ من أعراق وديانات وأفكار ومصالح متعددة، لتشكل نظرية التعايش الإنساني المشترك ومصلحة بني الإنسان المشتركة التي هي أسمى ما تصل إليه الروح الإنسانية المتجردة عن المصالح الصغيرة التي تفرق شمل المجاميع الكبيرة.
إن الدرس المستفاد هو إن لم نؤسس لغدنا دولة قوية بقدراتها وأفكارها وتعددها، تستطيع أن تقدم العمران المادي والإنساني لمواطنيها فصنصبح خارج نص الواقع والتاريخ، مُهددين بالأخطار المتعددة ومرهونين لإرادةٍ ليست ليبية وطنية.
رحم الله كل ضحايا الفيضان ووحد الله شمل وطننا الغالي لتكون ليبيا المستقبل أفضل بكثير من ليبيا الماضي والحاضر .
تعليقات