Atwasat

نـحـن الأغلبيـة الصامتة

محمد محمد المفتي الأحد 04 يونيو 2023, 05:12 مساء
محمد محمد المفتي

قبل أيام نظم مركز الدراسات الإستراتيجية الذي يديره الأستاذ محمد عثمان الصيد، ويعاونه الشاب المثقف سراج دغمان، لقاء حـرًّا بين السيدة كارولاين هـورندول سفيرة المملكة المتحدة (بريطانيا) لدى ليبيا ومجموعة من المثقـفـين. وقد أتيحت لي الفرصة لإبداء وجهة نظري في الوضع الليبي الراهن:

بدأت حديثي بالإشارة إلى أن لـقاء اليوم قـد يعيد للأذهــان روح النوايا الحسنة التي عرفتها بنـغــازي لعقد كامل بعد الحرب العالمية الثانية حين تعاون شباب النخبة البرقاوية مع الإدارة البريطانية من أجل إعادة إعـمــار الإقـليم.

بيد أن المشهد الحالي أكثر قـتامة نتيجة لعنات النفط، والفساد، وانتشار السلاح.
ولأننا في بنغازي علينا أن نتفهم المزاج البرقاوي، والتركيبة البنغازية، وليس في طرح هذه التسميات أي دعوة للإقليمية التي يروج لها المضاربون من أجل المال والمناصب.

بنغازي من يأتيها يستـقـر، ومع السنين يتاجر، ويتصاهـر، ويندمج، أما برقة فقد تشربت عبر الـ 150 سنة الماضية روح التعايش، ونبذ العنف بفضل تعاليم الطريقة السنوسية؛ ولذلك شهدت برقة في عقد الفوضى الحالي استقرارًا نسبيًّا مقارنة بدواخل إقليم طرابلس.
وأشير هنا إلى أنني أغفلت عامل القبـلــــية لأن تأثيرها السياسي تراجع نتيجة التحولات الديموغرافية العميقة والواسعة التي طرأت على المجتمع الليبي خلال القرن الماضي.

ولأن النخبة السياسية الحالية، قد فشلت فشلًا ذريعًا في إعادة بناء الدولة واستئناف الحياة الاقتصادية، فمن حق المنتمين للأغلبية الصامتة أن يطرحوا حلولًا ومقاربات غير مألوفة. من ذلك:
• أن شعار المصالحة الوطنية وهم؛ لأن المجتمع الليبي متصالح أصلًا في معظم الحالات.
• والإصرار على الانتخابات وهم في مناخ لا يسمح بإجرائها أو قبول نتائجها.

نحن الآن كأغلبية صامتة ومسالمة غير قادرين على دمج حكومتين أو برلمانين، وهي كلها تفتقد للشرعية على أي حال، وتستمد بقاءها من دعم دولي "قاهر" كما يقول رجال النفط.

أمام هذه الخلفية لنا أن نسأل عن الاستجابات المطلوبة لانتشال ليبيا من أزمتها الراهنة؟ وعلينا أن نستعـد لـقـــبول حلول خيالية.
باختصار شديد برقة اليوم بحاجة للعدالة بمختلف أشكالها: نصيب عادل من الريع النفطي، ومشاريع التنمية، ومؤسسات الدولة.
الراهن أن الدولة المركزية التي أمست أقرب إلى بلدية العاصمة، تمارس سلطاتها بنهج إقليمي ورؤية ضيقة، غير مدركين أن بقاء ودوام وازدهار الغرب الليبي مرهون بدوام وازدهار شرق وجنوب البلاد.

برقة أيها السادة كانت عبر تاريخها الحديث حاملة لـشعـلة مقاومة الاستعمار، ثـم شعلة النضال من أجل الاستقلال، ثـم حققت ليبيا نهضة تحديثية مذهلة في الخمسينيات والستينيات، ويحسن بالنخبة السياسية الليبية الحالية أن تـدرك إن برقة تستحق اهتمامًا خاصًا من أجل مستقبل وخير المـجتمع الليبي ككل.

المجتمع الدولي ـ مثلًا ـ يرى ويدرك أن ليبيا ملزمة بإعادة المهاجرين من عرض البحر إلى البر الليبي، وسلاح خفر الساحل ملزم بعـرض العدد اليومي كما لو كانت انتصارات.

الخلاصة، أنـه لا يمكـنـنا أن نتجاهل حقيقة أن هذا الوطن لن يستعـيـد وحدته واسـتـقـراره إلا بعد تطهيره من "وبــاء" السلاح، في وجود السلاح العشوائي سيبقى الفساد بدءًا من الغش في المدارس، وعجز القضاء، وشلل الإدارات المالية والرقابية.