Atwasat

هوامش على دفتري

أحمد الفيتوري الثلاثاء 30 مايو 2023, 12:29 مساء
أحمد الفيتوري

«نحن حين لا يَعُدْ باستطاعتنا أن نعرفَ من نحن، نصبحُ على خلافٍ مع الجميع. وأولاً مع أنفسنا قبل كلِ شيء» – ريجيس دوبريه.

فكرة 1

أن الكتابة كما أي شغل، وسيلة للحياة منذ البدء، الحكيم كما المدوّن مهنة، تقاضيت عنها أجراً مباشراً أم لم تتقاض. قد يكون للحكمة رأسمال رمزي، إذ المدون كالخباز حرفة، لكن الرأسمال الرمزي، أي المكانة الاجتماعية، السلطة الثقافية، توفر أيضاً سبيلاً للعيش وللكتابة، قيمة رمزية مضافة، إلى كونها سبيلاً للعيش، التضحية ما هي حاصل الموقف، الذي ينأى به كاتب ما، أن يجعل مهنته، أو قيمته الرمزية، بضاعة للاستهلاك، ما قيمتها ناتج عرض وطلب. تأسيساً على ذلك، فالكتابة كما هي ضرورة اجتماعية، هي ضرورة للفرد الذي يزاولها، فيُمسي «الكاتب المحترف»، منذ زمن دوواين الأسر الحاكمة، حتى زمن الدولة البرجوازية/ القومية .

لقد منحتني الكتابة، بقدر ما منحتها، فلقد كنت أكتب دون توق لنجاح، ولا انتظارٍ لجزاءٍ، لذا في أي تنازل عن حقوق بالمستطاع إليه سبيلاً، كنت أكتب كي أحيا، وليس كي أعيش فحسب، وعن حياتي لم أنتظر جائزة عمّا أكتب، ولا كنت موظفاً ككاتب ولا حتى كإنسان، وموقفي كان وما زال، لا يفصل كينونتي ككاتب عنها كإنسان، لأنني منذ البدء مارست الكتابة، وعملت في مجالها كصحفي، كما يحترم نفسه يحترم مهنته، ودائماً الكتابة هي كينونتي. الكينونة اللامنشطرة بين ما يلزم وما لا يلزم، فالكتابة التزام بفكرة ما، على مستوى الفكرة والفكر، فاللغة أيضاً فكرة دوافعها فكرية، وإذا كانت اللغة منزلة الوجود، كما عند هيدجر، فإن للوجود أوجها فكرية عدة.

فكرة 2

الرواية ديوان الكون ونثر العالم، فاشتملت على كل شيء، فهي مدونة الزمان والمكان، فلم تعد جنساً أدبياً محضاً ولا تخضع لتصنيف، منذ أول القرن الماضي وحيّزها يتسع ومكانتها ترتفع، حتى غدت مع هذه الألفية مركز الإنشاء الأدبي، فهي تحتوي الملحمة الشعرية والإنشاء النثري، والدراما المسرحية، والمشهدية السينمائية، والتشكيل الفني، فتضم ما ترى من المعارف البشرية الفكرية والفلسفية الميتافزيقية والدينية، والعلمية والاجتماعية، والتاريخي والإيديولوجيا.. وغير ذلك، ومن هذا هي سفر الأسفار. وهذا ما جعل الرواية تقريباً خارج التصنيف، وعليه دخلت سرديات قديمة عدّة مجالَ الرواية كـ «الجحش الذهبي» و «ألف ليلة وليلة»، وبدأت تتناسل مصطلحات كالرواية السيروية والسيرة الروائية، ثم اتخذ مفكرون من الرواية سياقاً سردياً لأطروحاتهم الفكرية، ولعل من أشهرهم سارتر والشاعر غوته.
إذا سلمنا بأن السياق السردي الروائي لم تعد له حدود، فإن هذا لم ولن يمنع أن ثمة سياقا سرديا، يجعل من كتابة ما.. رواية، فيكون هذا السياق بنية داخلية يفرضها النص، خاصة عند البنيويين على تعدد نظرياتهم، ومن هذا فالنص مرجعه النص، وهذا لا يجبّ قطعاً غيره من النظريات، لكن يؤكد عليها من خلال السياق النصي وليس من خارجه.

فكرة 3

تذكرت قصيدة الشاعر المنسي نزار قباني «هوامش على دفتر النكسة»، التي كتبها عقب هزيمة الجيوش العربية في 5 يونيو 1967، تذكرتها هكذا مع عاجل المحطات التلفزيونية للوضع السوداني. فبدا وكأن ما يحدث قد حدث تكراراً هنا وهناك، وأن ما يحدث سوف يحدث، وأن ما يقال سوف يقال، نفس المبررات والتحليلات والمسوّغات وحتى القصائد، فأردت أن أنسج على نفس المنوال منتكساً عابثاً، ألوك ما يُلاك وفي الفم ماء.

ليبيا التي نستعيد، نستعيدُها من حقبة مظلمة، ولهذا نحن في مرحلة آخر الليل، وما يزيدها حلكةً وظلمةً وسوادًا أننا لم نعرف بعد من نحن، وكما يبدو ليس ثمة جهد ووقت وإخلاص من أجل هذا الاستحقاق وهذه المهمة، ولعل هذا وراء هروبنا إلى الأمام من مهمة المهام الدستـور، نحن نريد الدستور ولا نريده، لأنه كما مرآة ستكشف وجهنا البشع الذي تكتنفهُ الظُلمة التي خرجنا منها لكن لم نخرج بعد، بهذا ليبيا ليست بلادي، ولا هي بلادك، فليبيا التي هي ليبيا طال مداها، وهي الجماهيرية العظمى، وكل مفردات وجودها التفصيلية لا زالت كذلك، ولن يحل المسألة قرارٌ بتعيين هذا في محل ذاك أو زيادة مرتب هؤلاء دون أولئك، فما بالك أن الطين يزداد بِلة بمنح صكوك الغفران لمن نشاء وكيفما نشاء، ونحن نعرف جيداً أن الأرض في زلزال تحت الأقدام العارية.