Atwasat

الحلال البغيض

محمد عقيلة العمامي الإثنين 29 مايو 2023, 12:25 مساء
محمد عقيلة العمامي

كنت، وما زلت، أرى أن مقال (الرأي) ليس بالضرورة أن يكون سياسيًا فقط، بمعنى أن يتناول الشأن السياسي في وقت نشره. لأنه في تقديري أن السياسة جزء من الحالة الإنسانية عامة مدنية كانت أم عسكرية، لأن الرأي في عمومه يشمل النواحي الإنسانية كافة، فهو شمولي، ولذلك لا ينبغي أن تُحدّد مواضيعه، أو نؤطرة. أقول لكم ذلك، لأنه هناك من انتقدني، حد الإساءة! إذ قال: «أحيانًا أرى أنك تسفّه الرأي! عندما تتحدث عن السمك والطهى، وأغاني العلم!».

أعترف أنني فرحت بنقده! إذ أيقنت أنني أسير في الطريق الصحيح، خصوصًا أن هذا النقد وصلني من سياسي (باهت)، بل مُدعٍ، لا يغيب عن أي تجمع بما في ذلك حفلات عودة أي من سياسيّ عصر ليبيا الحديث من أي اجتماع من اجتماعات المصالحة الوطنية، أو من رحلات العمرة، وأحيانًا يشوّه الخبثاء غاية الرحلة بتغيير أحد حروف (العمرة) ومع ذلك لم أعاتبه، لأنني أعتبر أن ما يقوم به هو على نحو ما، مجرد رأي! ولا ينبغي أن يسفه مطلقًا، مع احتفاظ المتلقي بوجهة نظره في صاحب هذا الرأي.

البارحة قرأت (رأيًا) أو وجهة نظر هائلة لم يكتب عنها في ثقافتنا الإسلامية أكثر من حديث شريف يقول: «إن أبغض الحلال إلى الله الطلاق». وتأكدت أنه صحيح، أنقله لكم (قص ولصق!):
القول الذي سألت عنه وهو (أبغض الحلال إلى الله الطلاق)، وجدت أنه حديث من أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم، رواه أبو داود والحاكم وصححه السيوطي وضعفه الألباني، وفي القرآن الكريم حثّ للزوج على أن يمسك زوجته ولو كرهها، قال تعالى: (فإن كرهتموهن فعسى أن تكرهوا شيئًا ويجعل الله فيه خيرًا كثيرًا) -النساء:19

ولماذا أكتب لكم عن هذا الحلال البغيض؟

حسنا.. منذ أيام وجدت أنني جزء من مشكلة لها تداعيات قد تصل إلى حد هذا الحلال البغيض، الذي ما كان ليصل إلى هذا الحد، لولا تدخلات من لم ينتبهوا إلى أن الله هو من سخّرهم ليمزجوا دماء أبنائهم لتتواصل الحياة، وأن الدم ليس مجرد سائلٍ أحمر، بل هو من روح الله، ولا ينبغي أبدًا ألاّ نراه إلاّ كذلك؛ وعلينا أن نباركه ونرعاه، لا أن يأخذنا انفعالنا ومصالحنا، لغير العناية به ورعايته، خصوصًا وهو ما زال يسرى في عروق مخلوقات ما زال خالقها يبثّ فيها من روحه! وبالفعل انشغلت بهذه المخلوقات التي يعبث الكبار بمستقبلها بأسلوب قد تتملكه العزة، والرغبة في الانتصار من دون أن ينتبهوا إلى أن النصر في مثل هذه الحالات قد يصبح هزيمة للإنسانية!

وبحثت هنا وهناك، فوجدت مقالة جميلة تناولت هذا الموضوع،عنوانها (رثاء زواج) كتبها الروائي الأمريكي (بات كونروي- Pat Conroy) صاحب رواية (The Prince of Tides) الشهيرة. والذي رثته طليقته التي كان قد كتب عنها رثاء زواجه. لقد استطاع كونروي أن يحول القصص المؤلمة بشأن أسرته المفككة إلى رواية من أفضل الكتب مبيعًا (The Great Santini).

يستهل الكاتب رثاء زواجه قائلًا: «إنني أحدثكم عن رحلتي إلى بلد الطلاق المظلم» ويعلن أن الطلاق موت حضارة، «ماتت صغيرة دونما سبب، إن إجراءات هذا (الحلال البغيض) يتعين أن تتم في أقسام الجراحة في المستشفيات.. وليس في المحاكم». ويتساءل: «كيف يمكن أن تصل روحان أحبا بعضهما، وأثمرا ارتباطهما طفلتين ناعمتين رقيقتين، أن يفترقا ويفرقا هاتين المخلوقتين الناعتمين وهما تتعلمان صناعة البسمة؟». ويستطرد متسائلًا: «كيف أنظر إليهما، وأقول لهما أنه لم يعد بالإمكان مواصلة حياتي معكما؟».

ولقد تذكرت صديقا عزيزا عليَّ، عندما لخّص حالته ببلاغة، قائلًا: «.. حين بدأت إجراءات الطلاق، أحسستُ أنني أرض لا شجر فيها ولا هواء. لا نهاية للأسبوع ولا عطلات، ولا أعياد.. ولا وجبه شهية، أستقطع منها لقيمات، أعلّم بهما طفلتي المضغّ!. خُيّل لي أنني أعيش في بلد لا حدائق فسيحة فيه.. بغتة وجدت نفسي بعيدًا عن مقعدي المعتاد.. والإنصات إلى ما يُخيّل لي أنه ثغاء بناتي. لا شيء سوى هواء نافق.. وسكون مميت. فأصفق باب البيت خلفي، وأهرب من دون أن أعرف إلى أين؟ غياب بنياتي موحش.. موحش جدا!».

حقًا يا ابني يا صديقي ، إنه أمر موحش حد الرعب!