Atwasat

مفخرة الهيئة العامة للأوقاف والشؤون الإسلامية

عمر أبو القاسم الككلي الأحد 28 مايو 2023, 03:18 مساء
عمر أبو القاسم الككلي

كثيرا ما أتساءل مستغربا، بيني وبين نفسي، لماذا حرصت داعش على المغامرة بإقامة دولة لها في ليبيا خسرت فيها المئات من دواعشها، مع التأكد من أن الدواعش، أعضاء فعليين في التنظيم أو مناصرين له، يسيطرون، فعليا، على مفاصل البلد. وأنا هنا أتعمد استخدام مصطلح البلد وليس "الدولة" لأن ليبيا لم تعد دولة بالمعنى القانوني، وكذلك بالمعنى العملي والوظيفي.

وسيطرة الدواعش، التنظيميين أو الفكريين، على مفاصل البلد ومؤسساتها يتجلى في المادة السادسة من مسودة الدستور المقترح التي تنص على أن الدين الإسلامي المصدر الوحيد للتشريع، وهي مادة ملغية للحريات والحقوق، خصوصا أنها مادة محصنة ضد أي تغيير أو تعديل باعتبارها مادة فوق دستورية.
كما تتجلى في مصادرة الكتب ومداهمة احتفالات عادية بمناسبات عامة بتعلة أنها قائمة على الاختلاط بين الجنسين، وفي مطاردة الأدباء والكتاب وشن حملات التكفير ضدهم من مثل ما حدث مع الكاتب خليل الحاسي، والحملة الهائجة المفتعلة ضد كتاب أدبي يضم أعمالا قصصية وشعرية لشباب مبدعين، وهو كتاب "شمس على نوافذ مغلقة" وترويع المساهمين فيه، ما يلجيء القادرين منهم إلى النفاذ بجلودهم إلى الخارج، وهذه عملية تجريف ثقافي حقيقي للبلد.

تتجلى هذه السيطرة أيضا في منع سفر المرأة بدون محرم.

وآخر هذه التجليات وأبرزها والتي تعد طامة كبرى على الحريات والحقوق العامة في ليبيا، "قرار رئيس الهيئة العامة للأوقاف والشؤون الإسلامية رقم (436) لسنة 2023 ميلادي بشأن اعتماد برنامج (حراس الفضيلة)" الصادر يوم 25. 5. 2023. التي من ضمن مهامها المنصوص عليها في القرار:

"2- رصد وتتبع مظان وجود الانحرافات العقدية والفكرية والأخلاقية الهدامة بالمنطقة وإحالتها للجنة الرئيسية.

3- استقبال الأفراد المشتبه في كونهم ضحايا الانحرافات العقدية والأخلاقية، والتنسيق مع اللجنة الرئيسية لإعادة تأهيلهم..."

وهنا نلاحظ أن الأمر يتجاوز النشاط الدعوي، إلى كون هذا االجسم يمثل جهازا بوليسيا سلطويا له صفة الضبط القضائي وحجز الحريات، الذي يتضمنه، على وجه الخصوص، تعبير "... لإعادة تأهيلهم". ومنح سلطة الضبط القضائي لجهاز لا يدخل في هيكل وزارة الداخلية أو العدل أمر مخالف للقانون. فجهاز "حراس الفضيلة" هو نوع من المليشيا المتغولة ومهامه قريبة جدا من محاكم التفتيش ذائعة الصيت التي جرت في أوروبا العصور الوسطى، أو مطاردة السحرة، وهي المحاكم والأعمال التي لطالما ندد بها المسلمون متفاخرين بأنه لم يحدث في تاريخهم مثيلها. إلا أن "الهيئة العامة للأوقاف والشؤون الإسلامية" ارتأت أنه مما يدعو إلى الفخر الاقتداء بمحاكم التفتيش المسيحية الأوربية التي حدثت في العصور الوسطى.