Atwasat

شهرا «لمباركات» و«أغصغص»

محمد عقيلة العمامي الإثنين 22 مايو 2023, 07:45 مساء
محمد عقيلة العمامي

الآية 36 من سورة التوبة تقول ﴿إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ﴾.

ولا بد من أن ثقافات العالم الأخرى لديها ما تقول، وما تعتقد في أشهر السنة، المختلفة مسمياتها، لكنني أكاد أجزم أنه ثمة اتفاق على أن أشهر السنة، في مختلف الثقافات، هي اثنى عشر شهرا، وأن عدد أيام السنة 365 يوما، قد تنقص في بعض التقويمات.

وتؤكد الوالدة رحمها الله، منتقدة سرعة توالي انسياب الأشهر، فتقول: «إنها عمر عدوك: شهران وشهير رمضان وقصير..»، وبالطبع تعني شهر رمضان، أما «الشهير» الذي وصفته بـ «القّصير» فقد يكون شوال، وإن كنت أرجح شهر شعبان لسرعة انقضائه بسبب ترقب الشهر المبارك.

ولكنني عبر قراءتي انتبهت إلى أن شهرين من أشهر السنة هما الأكثر تداولا من حيث مغبات أجوائهما، فالشهر الأول هو «مارس»، وهو الذي سبق أن تناولته في أكثر من مناسبة لارتباطه بالكثير من المشاكل، إن لم أقل المصائب التي تواجه صيادي الأسماك، التي وقفت عليها في تجربتي بامتهاني لهذه المهنة في بنغازي. فمعظم الذين رحلوا عنا غرقا، جراء مباغتة البحر بهيجانه وغضبه، في هذا الشهر، وكان صيادو الأسماك يرجعونها إلى رياح مفاجئة عاتية يسمونها رياح «لمباركات»، وهي في الغالب تباغتهم نتيجة منخفض جوي، ينتهي برياح «القبلي»، إن لم تغرق مراكبهم تُدفعها بالقرب من الجزر اليونانية.

وتسمى هذه الأعاصير المُتوسطية،«Mediterranean hurricanes وسببها منخفضات جوية مباغتة. لعل أشهرها، مؤخرا، عاصفة نهضت يومي 27 و28 مارس 1999 وسجلت سرعة قدرها 150 كيلومترا في الساعة. وتجدر الإشارة إلى أن مواعيد نوات المتوسط في الغالب محددة بتواريخ متقاربة، ومعلوم لدى صيادي الأسماك في الإسكندرية، وامتداد موانئ ليبيا الشرقية أن آخر نوة من نوات المتوسط الخطيرة غالبا ما تكون بين 26 و28 من شهر مارس.

الشهر المزعج الآخر هو شهر «أغصغص»، كما كان يسميه معظم «شيابنا»! وهو الذي أطلق عليه السيناريست الكاتب الشهير أسامه أنور عكاشة، عبر مقال جميل أسماه «شهر الباذنجان»! والسبب أن غالبية موظفى القاهرة، خلال زمن الرئيس جمال عبد الناصر، كانوا يصيفون في الإسكندرية خلال شهر يوليو، وهو شهر أعياد واحتفالات ثورة 23 يوليو، وفي الغالب تكلفهم تلك الإجازة مدخراتهم، بل وتصل حد مصاريف الشهر الموالي وهو أغسطس، لأنه موسم شهر «الباذنجان» الذي ترخص أسعاره بسبب كثرته، فيشكل الوجبة اليومية للعائلة، التي أنفقت مدخراتها في إجازة الصيف، وهكذا سمى شهر أغسطس بشهر الباذنجان، لكن الكثيرين مَن يعتبرونه شهر الحر والضجر والرطوبة الخانقة، ولقد قرأت أن هناك الكثير من المؤلفات الشهيرة التي تناولت هذا الشهر، وجميعها تشير إلى أنه شهر لا خير فيه! منها ما كتبه الأديب الروسي إلكسندر سولجنتسين «الذي هرب أعمالا إبداعية من روسيا، زمن طوقها الحديدي، تلك الأعمال التي تناولت السجون، ومعسكرات العمل التأديبي المعمول بها في الاتحاد السوفيتي، وهو الذي فاز بجائزة نوبل، لكنه لم يتسلمها إلا بعد أربعة أعوام، سرب خلالها روايته (أغسطس 14) إلى خارج روسيا>>.

وفي هذا الشهر، تقول كتب التاريخ، إن القوط دمروا روما، ودمرت القنبلة الذرية هيروشيما وناغازاكي، وثار بركان «فيزوف» فى 24 أغسطس العام 79 ميلادية، وأن كولومبوس أبحر نحو العالم الجديد في شهر أغسطس، وأن ماجلان بدأ رحلاته في شهر أغسطس أيضا، بل يقال أيضا إن «الصل» لدغ كليوباترا خلال شهر أغسطس! وجيلي يعرف أن عهد المملكة الليبية انتهي بنهاية شهر أغسطس! وكنا في يومه التاسع نحتفل بعيد الجيش، فدعونا نحتفل به مجددا، لأن الجيش هو الذي يضمن قيام انتخابات سليمة وحقيقية، وقيامها هو الضمان الحقيقي لقيام الديمقراطية!