Atwasat

الخروج من سقيفة بني ساعدة

عمر الكدي الإثنين 22 مايو 2023, 06:05 مساء
عمر الكدي

بينما كان جسد الرسول مسجى في بيته بدأ المسلمون في اختيار الخليفة قبل دفنه. سارع الأنصار أولا فاجتمعوا في سقيفة بني ساعدة، وعندما سمع المهاحرون بذلك أسرعوا نحو السقيفة وعلى رأسهم أبوبكر وعمر. احتد الخلاف بين الطرفين عندما أصر المهاجرون على أن هذا الأمر لا يصح إلا في "هذا الحي من قريش"، وفقا لما ورد في معظم كتب التاريخ مثل البداية والنهاية لابن الأثير وتاريخ الطبري ومروج الذهب. وأمام إصرار المهاجرين طلب الأنصار تقاسم الأمر "منا أمير ومنكم أمير"، وأخيرا طلب عمر من أبي بكر أن يبسط يديه فبايعه بالخلافة، ثم بايعه بقية المسلمين ممن كانوا في السقيفة، باستثناء سعد بن عبادة زعيم الأنصار، وعلي بن أبي طالب الذي انشغل بإعداد جنازة الرسول. رحل ابن عبادة إلى الشام قبل فتحها وأقام هناك حتى تولى عمر الخلافة، قبل أن يغتال بسهم في قلبه في ظروف غامظة ولم يبق من الحادثة إلا بيت شعر يقول:

سعد بن عبادة رمته الجن بسهم فثقبت فؤاده.

منذ ذلك الوقت بدأ يتبلور نظام الشورى فأبوبكر أوصى أن يكون بعده عمر، الذي بعد طعنه اختار ستة من كبار الصحابة ليس بينهم أنصاري واحد ليختاروا من بينهم خليفته فاختاروا عثمان، الذي قتل في ظروف مأساوية فتنازع بعده الخلافة علي ومعاوية.

ترى كم كانت مساحة سقيفة بني ساعدة ولكم شخص تتسع في مدينة صغيرة في القرن السابع الميلادي؟ بالتأكيد هي لا تتسع لجميع المسلمين وكان الإسلام قد انتشر في معظم جزيرة العرب، ويتفق معظم الفقهاء سواء القدماء أو المحدثين على أن الشورى ملزمة، ومنهم من يرى أنها جاءت بين ركنين من أركان الإسلام هما الصلاة والزكاة، لقوله تعالى في سورة الشورى "وأقاموا الصلاة وأمرهم شورى بينهم ومما رزقناهم ينفقون". ويلاحظ أن سورة الشورى مكية أي قبل أن يصبح للمسلمين كيان سياسي، كما وردت في سورة آل عمران "وأمرهم شورى بينهم"، ثم يتوسع بعض الفقهاء ليجعل من الشورى تخص كل المسلمين، بينما يقصرها البعض على الخاصة من أهل الرأي والعقد والحل، وبهذا المعنى فالشورى كانت قائمة قبل الإسلام في المجالس القبلية، وحتى الآن لا تزال قائمة في "الميعاد"، فلا يمكن لأي شيخ قبيلة مهما كان أن يفرض رأيه على قبيلته ولابد له من مشاورتهم، مع استثناءات قليلة مثل تلك الحكاية بين شيخي قبيلتي المغاربة والزوية، فكان لا أحد يتكلم من المغاربة إلا شيخها، بينما كان جميع من حضر من الزوية يتكلم، وعندما احتج شيخ المغاربة على ذلك قال له شيخ الزوية، أنت جمل بين نياق وأنا جمل بين جمال، وبالرغم من سخرية الجملة المريرة إلا أنها تشير إلى أن الشورى بين الزوية أفضل مما بين المغاربة.

بعد مقتل علي وتولي معاوية تحولت تلك المشورة إلى ملك وراثي لا يحتاج فيه الأمير إلى من يستشيره، إلا أن الأمويين الذين ركزوا دولتهم على العنصر العربي، كان خلفاؤهم يستشيرون أهل الرأي المقربين، حتى جاء العباسيون بتراث الممالك الفارسية، وتحولت إلى ملك عضوض لا مشورة فيه، كما هو مبين في كتاب "الأحكام السلطانية" للماوردي، ووصل الأمر إلى أبعد من ذلك عند الفاطميين، عندما مدح شاعرٌ المعز لدين الله فقال "ما شئت لا ما شاءت الأقدار فاحكم فأنت الواحد القهار". مما سبق يتبين أن الشورى تتسع لتشمل أكبر عدد من المواطنين باستثناء النساء والعبيد كما في سقيفة بني ساعدة، وتضيق لتشمل فقط ستة من كبار الصحابة.
لا يوجد في النصوص المؤسسة للإسلام أي شكل من أشكال الحكم، ولا في سنة الرسول الذي كان يستشير الصحابة في أمور الدين والدنيا، مثل الأذان والخطط العسكرية في الغزوات، وعندما اقترح على أهل المدينة طريقة للتعامل مع النخيل ولم تفلح، قال لهم أنتم أدرى بأمور دنياكم.

ترى ما هي أسس نظام الشورى؟ هو الاحتكام إلى القرآن في التشريع، وهكذا يصبح من حق الخليفة تفسير نصوص القرآن باعتباره دستور الأمة، أي أن الخليفة يحتكر السلطة التشريعية والتنفيذية والقضائية، ولم يفكر أحد في الفصل بين هذه السلطات، فعمر علق حد السرقة في عام الرمادة دون الرجوع لأحد، وعندما قسم الغنائم بين المسلمين أعطى للعباس بن عبد المطلب باعتباره الوريث الشرعي للرسول أكثر من غيره، تطبيقا لما ورد في سورة الأنفال " واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل". وفي العصر العباسي تحولت هذه القاعدة الفقهية لذريعة تؤيد انتزاع العباسيين للخلافة عنوة عندما قال شاعرهم تعريضا بالعلويين وهو يمدح هارون الرشيد "يا ابن الذي ورث النبي محمدا دون الأقارب من بني الأرحام".

كما أن نظام الشورى لم يضع أي طريقة لعزل الخليفة إذا خرج عن الدستور، فعندما قامت الثورة على عثمان احتجاجا على محاباته لبني أمية، دافع عثمان عن نفسه بأنه كان يطبق تعاليم الله فيما يخص صلة الرحم، ورفض التخلي عن منصبه فقتل وهو يقرأ القرآن، أي الدستور.
بعد الفتنة الكبرى انقسم المسلمون لثلاث مجموعات على أساس سياسي وليس دينيا. السنة يركزون السلطة في قريش دون غيرهم، والشيعة يركزون السلطة في عائلة واحدة من قريش هم أبناء علي من فاطمة، والخوارج الذين يطالبون بأن تكون السلطة لأي مسلم بشرط الكفاءة، إلا أن جميع الدول التي أقامها الخوارج كانت وراثية، ومن بينها الدولة الرستمية في الجزائر، وسلطنة عمان.

بعد كل هذه القرون لا يزال المسلمون يخوضون في غبار الفتنة الكبرى، ولم يخرجوا بعد من سقيفة بني ساعدة، فالإيرانيون طبقوا نظرية ولاية الفقيه، وذات مرة قال الرئيس الإيراني أحمد نجادي، أنهم يجهزون إيران لعودة المهدي المنتظر، أما العرب فبعد استقلالهم بحثوا عمن بقي من قريش لينصبوه ملكا عليهم، فوجدوا في أبناء الشريف حسين ما يبحثون عنه، فعينوا فيصل ملكا على سوريا، وعندما احتل الفرنسيون سوريا استدعاه العراقيون، أما الأردنيون فنصبوا شقيقه عبد الله ملكا عليهم، وارتضى الليبيون بإدريس السنوسي، والمغاربة بالسلالة العلوية الإدريسية نسبة إلى إدريس الأول حفيد الحسن بن علي، وحتى القذافي الذي تنحدر قبيلته من بني سليم حاول الانتساب لقريش، وتحديدا لموسى الكاظم وأنفق عدة ملايين للحصول على وثيقة من نقابة الأشراف في مصر، وأيضا حاول صدام حسين تزوير تاريخ عشيرته، أما حافظ الأسد فهو علوي وهذا يكفي للانتساب لقريش.

الشورى ليست نظاما ديمقراطيا لأنها لا تستند على المواطنة، ولا تشمل المواطنين من معتنقي الديانات الأحرى غير الإسلام، كما أنها تستبعد النساء من المشورة، وهي غير ملزمة للحاكم وبالتالي هي نظام خارج التاريخ، حتى نظام اللويا جيركا وهو هيئة استشارية بين قبائل البشتون في أفغانستان، أكثر تمثيلا للسكان من شورى حركة طالبان.