يستعد الوسط الثقافي الفرنسي لموسم الجوائز الأدبية لفصل الصيف لهذا العام والتي من أبرزها «جائزة فلوبير» رائد المدرسة الواقعية في الرواية الفرنسية، ومؤلف رواية مدام بوفاري الشهيرة، وجائزة المكتبات، وكذلك جائزة الصحفي والروائي جوزيف كيسيل صاحب رواية حسناء النهار المثيرة للجدل، كما أن لجائزة «إنتير» حضورها في الموسم ذاته.
استبق هذا الاستعداد المترقب لإعلان أسماء النصوص المرشحة للفوز صدور دراسة بالآونة الأخيرة عن الجوائز الأدبية وتاريخها بفرنسا من تأليف الصحفي والناقد الأدبي أرنرو فيفيان، عن دار لافابريك بعنوان «محطة كونكور»، المقتبسة من اسم كونكور، أحد أهم الجوائز الأدبية بالبلاد والتي يحتفى هذه السنة بالذكرى الـ120 لظهورها منذ العام 1903 على يد الأخوين كانكور.
الجوائز الأدبية الفرنسية عديدة ومتنوعة على مدار العام، بل إن عددها يفوق أيام السنة، إذ تصل لحوالي 2000 جائزة، إلا أن العامل المشترك بينها أنها مرتبطة بالمطاعم والمقاهي كطقوس سائدة، وليس ذلك مرده لارتباط الحركة الثقافية الفرنسية تاريخياً بالمقاهي والحانات والمطاعم باعتبارها مراكز لقاءات وورش عمل لأهل الكتابة والإبداع بصفة عامة، بل لما يشكله عنصر «la gourmandise» من مكانة جوهرية في الثقافة الفرنسية، ويعد محل فخر للمواطن الفرنسي باعتباره حالة إبداعية قائمة بذاتها تمس المأكل والمشرب. فهنالك مقاهٍ فرنسية شهيرة كمقهى دو ماغو الذي تأسس العام 1933، ومقهى لاندريه مالرو الشهير بتجمعات أهل الكلمة والإبداع، والمقهى فلور المحاذي للأول والذي يجمع أهل الأدب والفن وتقدر جائزته السنوية بـ6000 يورو وكأس نبيذ فاخر يقدم مجاناً للفائز لمدة العام.
جائزة الأكاديمية الفرنسية هي الأكثر سخاء بفرنسا، فجائزة كونكور تمنح صاحب النص الفائز صكاً رمزياً لا يتجاوز الـ10 يوروهات، إلا أن العائد المعنوي المباشر الذي سيعود للفائز والمتمثل في ارتفاع عدد المطبوعات، عوضاً عن الهالة الإعلامية التي ستصاحب المتوج على نطاق واسع، وما لذلك من أثر يتجاوز المحلية والإقليمية. وهذا ما أوقع تاريخ جائزة الكونكور الشهيرة في «فضيحة الكولسة» بغرض احتكار الجائزة بين ثلاث شركات نشر فرنسية شهيرة لضمان التناوب في الاستحواذ على الجائزة، وتهميش مرشحي الدور الأخرى بحسب ما تروي محطة كونكور، بل إن أعمدة الجرائد الباريسية منذ سنوات قليلة مضت كانت مسرحاً لسرد فضائح الجوائز الأدبية مثل رينودو وفامينا، وسرد بعض أعضاء لجان التحكيم لبعض الجوائز عن مخالفاتهم للموضوعية بسبب العلاقات والضغوطات والإغراءات التي تمارسها دور النشر على المحكمين، كما حصل مع الروائية والصحفية مادلين شابسال عضو تحكيم جائزة فيمينا، وكما ورد في يوميات الكاتب جاك برينير عضو تحكيم جائزة رينودو.
من أبرز دور النشر الفرنسية هي كاليمار ولاماريو وسوي، وقد برز أخيراً اسم دار«actule» التي حازت على جائزة الكونكور مرتين على التوالي في 2018 و2019 ضمن ظاهرة جديدة في الساحة الثقافية الفرنسية. تجدر الإشارة إلى أن دار سوي أصدرت منذ أسابيع قليلة دراسة للكاتب الصحفي بجريدة الليموند الباريسية فرانسوا كروك بعنوان رجعيات فرنسية «Française Reactions» والتي تلقي الضوء على حالة تطرف يميني جلية لثلاثة من نجوم الأدب الفرنسي ميشال ويلبيك، وسيلفان تيسون، ويان مواكس، وهي نعرة عنصرية توجه عداءها للإسلام ولليهودية وللعرب وللمهاجر بشكل عام. ونظراً لأن هذه النعرة المتطرفة بعنصريتها ظلت تلوح دائماً حتى بالفترة التي كان فيها اليسار أقوى التيارات الفكرية والأدبية بفرنسا، الأمر الذي يجعل الدراسة المذكورة حالة كشف عن «ظاهرة» معينة بالوسط الثقافي والأدبي بالبلاد، دون تحقيق حالة اختراق لدراسة النص المتعنصر، وإبراز تقنيات مبتكرة تخاتل أو تخترق القوانين المجرمة للعنصرية والكراهيات المتنامية حالياً.
الجوائز الأدبية الفرنسية كان للكاتب العربي نصيب له فيها عبر نصوصه الفرنسية الأصلية أو المترجمة، إلا أن الروائي واسيني الأعرج أعرب سابقاً عن امتعاضه عن عدم فوز أي كاتب جزائري بالجوائز الفرنسية الكبرى الثلاثة «رغم الإحصاءات المتداولة التي تشير إلى أن الجزائر هي أكبر بلد فرانكوفوني إنتاجاً، ثقافة، وممارسة لغوية بعد فرنسا صاحبة السبق واللغة»، مستبعداً «أن تكون القضية متعلقة بالمعايير الفنية والإبداعية»، وهو نقد محل نظر حتى الآن، مع ملاحظة أن الكاتبة الفرنسية نينا بوراوي، ذات الأصول الجزائرية، قد حازت سابقا على جائزة فيمينا المهتمة بالمرأة كتابة وموضوعاً، وكذلك الكاتبة بريجيت جيرو، الجزائرية المولد، قد نالت الكونكور العام الماضي عن روايتها «العيش سريعاً».
مع كل الانتقادات التي قد توجه للجوائز الأدبية بفرنسا بأنها أحياناً تتويجات غير بريئة، لأن الكاتب المستقل يظل مهمشاً، إلا أنها تبقى مواسم يتحمس لها القراء وأهل الصحافة والكتَّاب، بل أحياناً كثيرة ما تفصح الجوائز عن سماحها لكتَّاب أجانب بنيل الجوائز للتدليل على الترحيب بالمساهمةً في خلق عملية إثراء للرواية الفرنسية ذاتها، كما حصل مع منح الكونكور للأميركي جوناتان ليتيل، منذ سنوات عديدة، عن روايته متسامحات، رغم رفض السلطات الفرنسية منحه الجنسية الفرنسية مرتين قبل إعلان فوزه.
تعليقات