Atwasat

خواطر روائية ليست للقراءة!

أحمد الفيتوري الثلاثاء 18 أبريل 2023, 01:54 مساء
أحمد الفيتوري

• الشخصية الروائية
أفكر هل ثمة شخصية روائية، يمكن أن نلتقيها في الحياة، هل يمكن أن نلتقي شخصية خيالية كفرنكشتاين في الحياة؟، ثم هل يمكن اعتبار شخصيات روائية شخصيات عالمية، بالخصوص في الروايات الطليعية، كروايات فرانز كافكا؟، أم أن شخصيات كافكا شخصيات محلية؟.

لنخذ فرنكشتاين مثلا، أحمد سعداوي اصطاد هذه الشخصية، في روايته"فرنكشتاين في بغداد"، الحائزة على جائزة البوكر 2014م، هذه الشخصية الروائية، توكد أن بإمكنها الخروج، من عالم رواية إلى عوالم أخرى، وأنها شخصية عالمية، قادرة على أن تنتحل روحا محلية، ففرنكشتاين الانجليزي/ماري شيلي، هو فرنكشتاين العراقي/أحمد سعداوي، والفرقان في الكتابة وليس في الشخصية.

والشيء بالشيء يذكر، فإن كنا نتحدث، عن الشخصية الروائية العالمية، فهل ثمة رواية عالمية أصلا؟، جوهان غوته الألماني عام 1827م، بشر بأن قال:"بتُّ اليوم مقتنعا، أكثر فأكثر، أن الشعرهوملكية كونية للإنسانية. يكشف عن كينونته، في كل الأمكنة والأزمنة، وفي مئات عدة من الرجال. الأدب القومي هو اليوم مفردة مفتقدة للمعنى، وحقبة الأدب العالمي هي الطاغية، وعلى الجميع أن يسعوا بأقصى ما يستطيعون، للتعجيل في ترسيخ هذا الأدب.". ولقد علق آدم كيرش الأمريكي، في كتابه الرواية العالمية ترجمة لطيفة الدليمي:"من ذا الذي يستطيع، أن يشكك في أن نبوءة غوته، قد تحققت مرات عدة، في القرن الحادي والعشرين...".

باعتبار أن الآداب والفنون نتاج المخيلة البشرية، فإنها مهدمة الحدود، وتخرج عن جلدها/اللغة، كما يخرج الثعبان ليتجدد. لهذا الاعتبار فإن فاوست، وقبل دون كيشوت، وقبل سندباد وعلاء الدين، شخصيات عالمية، شخصيات خرجت من سياقها السردي، لنلتقيها كأيقونة، أو كشخصية حية هنا أوهناك. فمنا من يتغرض:أن يلبس لبوس سندباد، أو يكون دون كيشوت، وقد يكون فاوست، من تسلل من رواية غوته، بعد أن باع روحه في السياق الروائي إلى الشيطان، تسلل ليعود من حيث أتى، إلى الحياة، بعد أن باع الروح.

لكن أحيانا يقال عن شخصية ما، بأنها شخصية روائية، مثلما شخصية مركبة متطرفة واستثنائية، وعندها كأن القول يعني، أن لابد من القبض السردي، على شخصية كهذه، تغص بروح السرد، وتتناغم والبنية الروائية. وفي الحالين الشخصية الروائية شخصية استثنائية، وأنها مرصودة كشخصية واقعية.

• أول رواية
الرواية الأولى من خلال ما طالعته لعدد من الكتاب، في الفترة الأخير، وما كتبت عنها، وكنت أجد من خلال ما أكتب أنني كمن يكرر نفسه. ومرة انتبهت لنفس الملاحظات حول رواية، ليست الأولي في سيرة كاتبها، لكن ثمة ممن كتب عنها، أن لاحظ أنها الرواية الأولى لكاتبها، بغض النظر عما نشر قبلها، ما استبعدته وغيري من نتاج الكاتب، فقد كان نشرا وحسب، الغريب أن الكاتب أخذ ذلك في الاعتبار، وكأنه يؤكد ما جال بنفسه حول نصوصه السردية. واستنتجت أن التكرار نابع من السياق السردي المنقود، وكأن ثمة نسقا سرديا مشتركا بين أولئك الكتاب، كتاب الرواية الأولي ما قرأت فقط، وما قرأت وكتبت عنها وقد شاركني غيري في الكتابة عنها، فتشاركنا في اعتبارها رواية أولى بغض النظر عن تقويمنا لها. وإذا سلمنا بأن السياق السردي الروائي لم تعد له حدود، فإن هذا لم ولن يمنع أن ثمة سياقا سرديا، يجعل من كتابة ما رواية، فيكون هذا السياق بنية داخلية يفرضها النص، خاصة عند البنيويين على تعدد نظراتهم، ومن هذا فالنص مرجعه النص، وهذا لا يجبّ قطعا غيره من النظرات، لكن يؤكد عليها من خلال السياق النصي وليس من خارجه.

الرواية الأولى التي طالعتها مؤخرا لكتاب من مصر ومن ليبيا، وقد كتبت ونشرت ما شاركت به بندوات عدة، حول عدد من روايات الكتاب المصريين. ثم لما قرأت روايات الكتاب الليبيين، عزمت عن الكتابة عنها فرادة، لكن هنا والآن، أكتب عنها في سياق الرواية الأولى، باعتبارها النموذج المميز للرواية الأولى لكتاب رواية جدد، شباب منهم الشاعر، وثمة فيهم المفارق من ناحية العمر، وقد انغمست في قراءتها تباعا، من رواية لرواية، دون قصد ولا تخطيط، لكنها توفرت بين يدي مرة واحدة، والرواية منها تحفزني إلى قراءة رواية أخرى، وما أشرت إليه من أنها الرواية الأولى دفعني إلى التأمل في المسألة فالبحث فيها، وقد كُتبت أو نُشرت على الأقل في نفس السنة، غير رواية واحدة.

إذا ما تقدم من أن الرواية الأولى بنية سردية، تشبه حجر الأساس في البيت، استنتاج من سياقات النصوص ونسقها السردي، وأيضا من تشابك أحداث هاتيك الراويات ودلالة مسرودها، وأي مقاربة في تقديري ستتكشف المشترك الفصيح بينها، وعلى التحديد فيما يخص الخطاب السردي، لكن هذا لن يحجب تنوعها وتفرد كل رواية، وهو ما أسهم في إغناء إمكاناتها السردية، وساهم في توجيه مساراتها الحكائية، وفق ما تقتضيه تحولات النص الدلالية.