كان مؤمنا بالعبارة الشائعة التى تقول بأن الشباب شباب الروح، وأن من ظلت روحه فتية شابة سيقهر ما يحدثه مشوار السنين من الشيب والتجاعيد والضعف، وسيظل نشيطًا رائق المزاج عذب النفس حتى آخر لحظة من لحظات حياته.
فى يوم من الأيام عاد إلى بيته بعد سنين من الغياب خارج البلاد لظروف خاصة، وعندما دخل البيت وجد حديقته وقد أصبحت بالإهمال وكأنها غابة.. تغولت كل الأشجار، ومعظمها للزينة، ووجد البيت وقد تمت سرقة بعض مقتنياته التي لا يستطيع تحديد ماهيتها باستثناء ملاحظته غياب شاشات البلازما وأنبوبة البوتاجاز، وغير ذلك.. أصابه الإحباط والحزن وقفل عائدا وقرر الإقامة مؤقتا فى فندق حتى يستوعب الأمر ويرى ما هى خطته لإعادة الحياة للبيت..
كان وحيدا بدون عائلته، فقد كان يريد فى البداية إعداد كل ما يتعلق باستقراره فى بيته مجددا.. وبدأت عملية الصيانة وتنظيف البيت والحديقة.. أخذ الأمر الكثير من الجهد والمال لإنجاز ذلك.. فقد تم قص وإزالة معظم الأشجار المتغولة وبدت الحديقة وكأن إنسانا قام بحلاقة شعر رأسه درجة صفر.. ومع ذلك الحال حدث نفسه بأن زرع البديل يجب أن يكون أشجارا مثمرة هذه المرة.
بدأ يبحث في الانترنت على "مشاتل" الأشجار المثمرة.. لم يجد ضالته، فقد كان يسأل عن أحجام كبيرة ..
وفي أحد الأيام زاره قريب له وفي سياق الدردشة ورد الحديث عن الزراعة ومواعيد غرس الأشجار واتفقا على الخروج للبحث عن مشتل يجدون به ما ينوى زراعته.
وبعد جولة غير موفقة لم يفقد القريب الحبيب الذي يقود السيارة الأمل… واستمرالبحث حتى لمح لافتة مكتوبا عليها مشتل أشجار مثمرة وقد تجاوزاه فقرر العودة إليه، وعندما دخلا وجدا رجلا
عجوزا. قالا له ما يريدون فرحب بهما وتركهما يبحثان عن ضالتهما، ثم التحق بهما وساعدهما في الاختيار.. تم الشراء في جو ودي مع الرجل العجوز الذى سأله لماذا طلبت أشجارا كبيرة. فقال صاحبنا "كبرت يا حاج ونبي نلحق ناكل من إنتاجها" فضحك العجوز وقال "خيرك مستعجل مازال بدري".
فى طريق العودة كان إصرار القريب على استضافة صاحبنا على الغداء وقد تم ذلك في جو ودي. ثم عاد بصاحبنا إلى بيته.. كان الوقت لازال نهارا. فقرر أن يزرع شتلات الأشجار..
أخذ أداة الحفر وإحدى الشتلات وبدأ الحفر، شعر بتعب، ولكنه تجاهل الأمر واستمر.. جلس بجوار الجورة التى حفرها ووضع الشجرة فى مكانها، وعند الانتهاء حاول الوقوف، ولكن ألما شديدا منعه من الوقوف والحركة، لم يكن هاتفه النقال معه وكان وحيدا.. تحامل على نفسه، استند على الحائط و"مكنسة" كانت بالقرب منه.. دخل البيت. جلس على أول مقعد قابله والألم مستمر.. مر فى عقله سؤال مفاده.. أين هى حيوية الروح عندما تتقاطع مع كهولة الجسد .
لم تفلح المسكنات الموجودة عنده في البيت فى تخفيف الألم.. تناول هاتفه النقال، اتصل بطبيب صديق نصحه بالذهاب إلى المصحة، واتصل بصديقه الصدوق وحدثه بما جرى، فجاء مسرعا وأحضر معه "عكازا" ليستند عليه ..وذهبا للمصحة.. أجريت الأشعة.
لا كسور ولا شيء يدعو للخوف. أخذا الدواء ورجعا إلى البيت. غادره صديقه ومرت به ليلة من أصعب الليالى.. مرت أيام من العذاب وهو لا يستطيع الحركة إلا بصعوبة بالغة. ولكن بدأ يتعافى بالتدريج، وتبين له أن المشكلة في الظهر بسبب مرتبة السريرالناعمة.
.. تغيرت المرتبة واستمر التعافي وذهبت الهواجس التي راودته من الوسواس الخناس.. ولكن في قرارة نفسه لم تعد مقولة "الشباب شباب الروح" مقنعة له إلا إذا أضاف إليها عبارة أخرى قالها له أحد الأصدقاء وهي "سايس روحك"، فالجسد في عمر ما لا يستطيع مجاراة مطالب الروح.
تعليقات