Atwasat

وخضّبت دماء شجرة الدر القباقيب (3- 7)

محمد عقيلة العمامي الإثنين 20 مارس 2023, 02:25 مساء
محمد عقيلة العمامي

معرفتي لشارع «شجرة الدر» في القاهرة، تعود إلى مطلع ستينيات القرن الماضي. لقد تزامن ذلك مع مطلع أيام شبابنا أيضًا، غادرنا الإسكندرية نحو القاهرة، ولما وصلناها ذهبنا مباشرة إلى شارع «شجرة الدر» المكتوب في قُصاصة ورق أعطاها لنا صديق حيث بمقدورنا أن نستأجر شقة، عاد منها مؤخرًا، مبينًا لنا أننا سنجد كل ما نتطلع إليه في ذلك الشارع المشجّر الجميل. هذا الشارع يقع في منطقة الزمالك، التي ما زلتُ أعتبرها أفضل أحياء القاهرة وأكثرها رقيًا ونظافةً.

في شارع شجرة الدر وجدنا الشقة مثلما حدثنا عنها صديقنا، وهناك عرفنا محل (حشمت) الأصلي والنظيف، والمعاملة الحسنة، وعبر الشوارع المتفرعة منها عرفنا عددا من مساكن فنانات تصيدنا رؤيتهن، وفزنا ببعضهن، وتسكّعنا كثيرًا أيام الجُمع قُبيل الآذان فقد نلتقي بالمذيعة الشهيرة آمال فهمي، صاحبة البرنامج الإذاعي الشهير في ذلك الوقت «على الناصية».

كنتُ أظن أن اسم الشارع لشجرة وافرة الأوراق أمام محل حشمت!، لم يخطر ببالي أبدًا أن شجرة الدر هو اسم لملكةٍ حكمت مصر، وأنها ليست مصرية الأصل، ولكن المصريين أحبوها، وأطلقوا اسمها على ذلك الشارع، وظل كذلك ولم يُستبدل حتى الآن منذ أُطلق على الشارع وعلى مدار حوالي قرن كامل!
والآن، من بعد أن قرأت الكثير عنها أستطيع أن أسرد أسماءً كثيرةً من أصدقائي ومعارفي، لا يعرفون ماذا يعني اسم شجرة الدر، وإن عرفوا أنه لإمرأة لن يكون بمقدورهم أن يقولوا لكم إنها سلطانة منسية، قامت بدور بطولي حفظه لها الشعب المصري، وهم يعرفون أنها في الأساس جارية أصبحت زوجة سلطانهم، وأنها بطلة عظيمة، فماهي قصتها؟

حسنًا..
شجرة الدر امرأة مميزة قوية وشجاعة، جريئة، تجيد الحكم والقيادة، جميلة الصورة، والعقل الحكيم، وفوق ذلك واثقة في نفسها وفي قدراتها.
كانت جارية اشتراها السلطان الصالح نجم الدين أيوب، وبسبب جمالها وإمكانياتها وإخلاصها أحبها السلطان، وأعتقها وتزوجها، أنجبت له ابنه خليل. وأثناء تصدّى زوجها السلطان للحملة الفرنسية على مصر، تُوفي يوم 22 نوفمبر 1249م بغتة زوجُها الملك الصالح من بعد أن حكم مصر لعشر سنوات.

سرعان ما انتبهت إلى خطورة إعلان وفاة السلطان، فاستدعت شجرة الدر قائد الجيش المصري، ورئيس القصر السلطاني وأخبرتهما بوفاة السلطان وشرحت لهما خطورة الموقف إن أعلنت الوفاة. فاحتفظوا بالأمر سرًا... والقصة معروفة بتفاصيلها، من استدعائها لابنه سرًا، وإصدار الأوامر باسمه، والتمثيلية التي أتقنوها بمرض السلطان، ودخول قائد الجيش ورئيس القصر، إلى غرفته حيث أخفته، وكأنهم يأخذون منه الأوامر. واستمرّ الدفاع عن البلاد، إلى أن انتصرت على الحملة الصليبية السابعة.

وهكذا تولّت فيما بعد، فعليًا عرش مصر، ثم تنازلت عن العرش لزوجها المعز أيبك التركماني سنة 1250م وكثرت المؤمرات والمشاكل، وانتهى الأمر بقيام ابن زوجها بتسليمها لجواري أمه، «فقمن بضربها بالقباقيب على رأسها وألقين بها من فوق سور القلعة، ولم تُدفن إلا بعد عدة أيام من رميها ..». وهكذا انتهت حياتها، وقد أثنى عليها المؤرخون المعاصرون لدولة المماليك، فيقول «ابن تغري بردي» عنها: «وكانت خيّرة دَيِّنة، رئيسة عظيمة في النفوس، ولها مآثر وأوقاف على وجوه البِرّ، معروفة بها…» .

قُتلت «شجر الدر» ملكة مصر في القاهرة في يوم 3 مايو عام 1257 الموافق 23 ربيع الأول لعام 655 من الهجرة بعد أن دام حكمها ثمانين يومًا ثم تنازلت عن العرش لوزيرها «عز الدين» الذي تلقّب بالملك المعز. ولا أحد يُنكر أنها لعبت دورًا تاريخيًا هامًا أثناء الحملة الصليبية السابعة على مصر وما دار خلال معركة المنصور من معارك تُوجت بالنصر.