Atwasat

ضريح مهجور لسلطانة منسية (2- 7)

محمد عقيلة العمامي الإثنين 13 مارس 2023, 01:47 مساء
محمد عقيلة العمامي

أخيرا في ليبيا، أعني من بعد سقوط نظام القذافي، انتبهت إلى حجم الدعوات العالمية من المؤسسات المختلفة التي تدعو وتطالب بإشراك النساء في الكثير من القضايا، وإن كن قد أشركن، في ليبيا من قبل وعلى نحو ما، في الكثير من المناشط، بما فيها حمل السلاح وحراسة القائد!

والمتابع للنشرات الإخبارية العالمية ينتبه إلى كثرة الوزيرات في الحكومات الغربية، فهل ذلك بسبب انتباه الشعوب إلى أنها أبعدت الكثير من قواها العاملة، خصوصا أن حجم المتفوقات في دراستهن أصبح يتساوى مع الذكور، بل ويتفوق عليهم. وازدادت أعداد النساء اللواتي يحكمن دولهن، وما زلت أسترجع تعليق أحد الرفاق عن وزيرة دفاع أوروبية جميلة حد الدهشة، قال: «ليبيا كلها تدافع عنها بغمزة منها!».

سوف نتناول، ما نستطيع، من «السلطانات المنسيات»، اللواتي تناولهن الكتاب الذي أشرنا إليه، ونرى كيف كانت ألقابهن، فهن تسمين في البداية سلطانات، حسب الوضع الإنساني في بداياته، بعيدا عن مسألة الخلافة، إذ لم تحمل أي منهن لقب خليفة أو إمام، وعليه «هل يمكن القول إنه لم يحصل مطلقا أن امرأة صارت رئيسة دولة في الإسلام؟ وهل يمكن القول إن حرمانها من اللقب معيار لاستبعادها؟».

ولعلنا بتناول شخصيات موضوع هذا الكتاب سوف نعرف سبب عدم حصولهن على هذا اللقب المهيب، حتى وإن حكمن بالفعل. تفسر الكاتبة مستعينة بنص لابن خلدون فحواه أن الخليفة نقيض الملك، فالخليفة مقيدة رغباته وأهواؤه بسلطة تخضع لشريعة إلهية، تجعل من أهوائه الخاصة غير مشروعة، في حين أن الملك لا يعترف بأي قانون، إذ إنه هو القانون، وهو منشغل بمصالح رعيته في الأرض فقط في حين أن الخليفة يأخذ أمره على عاتقه أيضا في الآخرة.

وقبل أن نحاول معا، أن نجد تفسيرا لهذا الازدياد المضطرد في أعداد من يتولين وزارات قيادية في الغرب! وعن استحياء ازديادهن في الشرق، في وقت لم نستطع فيه أن نجد اسما مؤنثا لخليفة الله في الأرض! دعونا نستعرض ما نستطيع من «السلطانات المنسيات»، فلعل ذلك يقودنا لماذا حُرمن لقب الخلافة!؟.

«السلطانات المنسيات»، كتاب يروي قصص نساء حكمن، على نحو ما، ولم يهتم المؤرخون المسلمون بسيرهن. الكاتبة اهتمت بهن وقدمتهن بأسلوبها المتميز بالاجتهاد في البحث، وصولا إلى معرفة الإجابات. فاستهلت كيف كانت تلقب الملكة في الإسلام، ونحن نعرف أن اللغة العربية لم تعلمنا اسم المؤنث للخليفة! كل الذين حكموا الدولة الإسلامية من بعد الخلفاء الأربعة، إما أنهم تسموا، بالخليفة أو السلطان أو الوالي.

السلطانة راضية- بنت التـُتـمـش (1205- 1240) هي سلطانة تولت العرش في الفترة (1236- 1240) خلفا لأخيها (ركن الدين فيروز) وهي ابنة السلطان شمس الدين التتمش. ما زال قبرها البسيط بين الأزقة الضيقة في مدينة دلهي القديمة شمالي الهند. بقاياه المتهدمة مغطاة بالغبار والأوساخ. تحيط به مجموعة من المباني السكنية البائسة من جميع الجهات. الأشخاص الذين تعدوا على المكان، حوطوا القبر بصفائح بلاستيكية واستقروا به.

إنها ابنة شمس الدين التتمش، وهو مملوك مسلم تركي وانتهى به المطاف كسلطان دلهي. نشأت راضية، التي كانت عضوا في الأسرة الحاكمة، في ظروف متميزة، وكانت قريبة من المتمسكين بالسلطة، إذ إن أمها كانت مُهيمنة على الحريم، فيما كانت راضية الأفضل ما بين أبناء والدها السلطان، الذي أحسن تربيتها ودربها على إدارة الدولة، فكانت أول امرأة حاكمة تتولى الحكم في سلطنة دلهي! فكانت حاكما فعالا بسبب مالها من كل صفات الحاكم، كانت «راجحة العقل، وراعية للتعلم، وموزعة للعدالة، ومحبة لرعاياها، وذات موهبة حربية، ولديها كل الصفات والمؤهلات الرائعة اللازمة للحكم»، وهي تشتهر أيضا بمشاركتها الرومانسية والأساطير مع حبيبها مالك اختيار الدين ألتونيا الذي ساندها ومكنها من تعزيز حكمها وتحول لاحقا إلى زوجها.

استمر حكمها لسلطنة دلهي نحو أربع سنوات (1236-1240م) فكانت موفقة في النهوض بالبلاد، وأعادت إليها ثراءها بسبب حسن إدارتها معوضة ما أنفقه أخوها المبذر. وكانت تتصرف كالرجال، تجلس على العرش مرتدية العباءة كالرجال، وتقود جيشها وهي تمتطي ظهر فيلها. ثم ثار عليها المماليك، الطامعون في الثروة والجاه، وأشعلوا ثورة ضدها، وحاولت قمعها لكنها هُزمت، وانتهى الأمر بقتلها في 25 أكتوبر 1239.

هذه باختصار أول سلطانة مسلمة منسية، لم يبق من تاريخها سوى ضريح مهجور في دلهي، كانت حكمية وشجاعة ومدبرة ومحبة لبلادها وناسها، ولكنها لم ترتق لتكون خليفة، مجرد سلطانة ومنسية أيضا!