Atwasat

نهاية لا تليق بأسد

جمعة بوكليب الأربعاء 08 مارس 2023, 11:44 صباحا
جمعة بوكليب

الخبر المنشور بلا تفاصيل، ببنط كبير، في موقع جريدة الصباح الليبية، يوم السبت الموافق 25 فبراير 2023، كان كالتالي: «شركة الخدمات العامة في بنغازي تعثر على جثة أسد مسلوخ في وادي قار يونس - بنغازي».

ولمن لا يعرف، فإن شركة الخدمات العامة، هي الشركة الموكلة بتجميع القمامة في المدينة. وهذا يعني أن الأسد تعيس الحظ، جيء به من غابات أفريقيا وأحراشها إلى ليبيا، عبر صحراء جرداء وقاحلة، بغرض أن يقتل ويسلخ، وتلقى جثته في مكب قمامة، في وادي قار يونس. نهاية لا تليق حتى بكلب ضال، فما بالك بأسد.

مكبات القمامة في ليبيا، على عكس مكبات القمامة في بلدان العالم، تستحوذ أغلب الأحيان، على عناوين الأخبار في وسائل الإعلام، وفي وسائل التواصل الاجتماعي، كونها أضحت أماكن للتخلص من الجثث الآدمية. يبدأ الليبيون نهارهم، بقراءة أخبار العثور على جثت لأشخاص مقتولين ملقية في مكبات قمامة. وأحياناً جثت لأطفال حديثي الولادة، ولدوا سفاحاً، وجرى التخلص منهم برميهم في مكبات قمامة.

العثور على جثة أسد مسلوخ في مكب قمامة بوادٍ في مدينة بنغازي تطور مثير، ولافت للانتباه. وهذا يعني، حرفياً، أننا، مستقبلاً، لن نفاجأ مطلقاً بما يمكن أن نجده في مكبات القمامة الليبية من مفاجآت كارثية.

السؤال ما الذي جاء بذلك الأسد إلى ليبيا، وتحديداً إلى مدينة بنغازي؟ لا أعتقد أن أحداً منّا، مهما أوتي من علم وحصافة، بقادر على تقديم إجابة مقنعة.

في الشهور الماضية، عثر أشخاص، على خنازير برية حية، تجوب مناطق في الجبل الغربي. وبعدها، في نفس المنطقة تقريباً، قرأت إدراجات فيسبوكية، مرفقة بتسجيلات مصورة لضباع شرسة. وأخيراً، فؤجئنا بأسد، ليس حيّاً، بل مقتولاً ومسلوخاً وملقىً في مكب قمامة. ومن المرجح أن من قاموا بالفعلة الشنيعة والمؤلمة أرادوا الحصول على الجلد لبيعه، لقاء مبلغ مالي كبير.

لكننا لا نريد التعرض إلى ذلك، لأن الموضوع في حاجة إلى أدلة وبراهين يصعب الإتيان بها. والحقيقة التي لا نستطيع الفرار من وجهها، هي أن الليبيين، في السنوات الأخيرة، صاروا يتاجرون في كل السلع والبضائع، الحلال منها والحرام. والأسوأ، أن بعضهم أعادوا تجارة النخاسة، أي المتاجرة في بيع وشراء البشر.

وتابعنا في السابق، في وسائل التواصل الاجتماعي، تسجيلات مصورة لأسواق مقامة في مناطق ليبية، يُعرض فيها أفارقة للبيع من الجنسين، مما أثار سخط ونقمة أمم العالم علينا. ولم يتوقف الأمر عند ذلك الحد، بل رأينا تجاراً، على هيئة رجال دولة وأصحاب مقامات، ومناصب كبيرة، يتاجرون في مستقبل أولادنا وبلادنا، بالبيع بالجملة وبالقطاعي، وبأثمان بخسة، لقاء أن يحصلوا على أموال، أو مقابل بقائهم في مناصبهم.

غير أن تلك التجارة وغيرها صارت جزءاً من واقع مزرٍ، وغير إنساني، في مجتمع يتبجح في كل مناسبة وغير مناسبة، أنه يحظى بوجود مليون حافظ لكتاب الله. ورغم ذلك، فإن كل شيء فيه عرضة للبيع والشراء. ولا تهم الوسائل، مادامت تحقق الغايات.

في الآونة الأخيرة قبضت الأجهزة الأمنية في مدينة شحات على عصابة لسرقة وبيع الآثار. أكثر من 250 قطعة آثارية وجدت في مخبأ اللصوص، وفي طريقها إلى التهريب للخارج بغرض البيع!! وحين يصل الأمر بشعب إلى المتاجرة بتاريخ بلاده وبمستقبلها، تهون الأمور الأخرى، ولا تستدعي قلقنا. ورغم ذلك، فإن السؤال حول جثة الأسد المسلوخة، في رأيي، في حاجة إلى إجابة.

وعلى سبيل المثال، هل ضل الأسد المسكين الطريق، كما ضلت قبله الخنازير البرية والضباع؟ أم أنه أحضر من غابات أفريقيا، مقيداً بحبال أو أصفاد، من قبل عصابات تهريب المخدرات والسلاح والبشر، لقاء مبلغ مالي؟ أم... أم؟؟؟

وما يهمنا نحن، هو أن وجوده في مكب قمامة في بنغازي، لن يحرك نأمة لدى جهات الاختصاص في تلك المدينة. فتلك الجهات، لم تحرك إصبعاً حين كان البشر يخطفون ويعذبون ويقتلون، وتلقى جثثهم محروقة في المكبات تحت جنح الظلام، فهل سيحركهم قتل وسلخ أسد، لا أهل له، ولا قبيلة، ولا أصحاب، ولا أولاد، ولا أولياء دم يتجمعون للثأر لميتته الشنيعة غريباً ووحيداً، ومسلوخاً، وملقى في مكب قمامة؟

وإذا كان المهرّبون هم من قاموا بصيد الأسد وإحضاره إلى ليبيا بغرض قتله وسلخه، فلماذا تكبدوا كل ذلك العناء، ولم يقتلوه ويسلخوه في مكان اصطياده؟ الأرجح، أنهم تحصلوا على عرض مالي مغرٍ، لإحضار أسد. ويبدو أن الأسد مات لدى وصوله إلى مدينة بنغازي من جروح ألمت به، أو من شدة التعب. وقد يكون كذلك من شدة الحزن، على الدمار والإهمال الذي حاق بالمدينة. ويبدو أن اللصوص، فوجئوا بتلك النهاية. فقرروا سلخه، وبيع الجلد، لضمان عدم خروجهم من المولد بلا حمص.