Atwasat

مسار الحل وتعقيدات الأزمة الليبية

سراج دغمان الخميس 16 فبراير 2023, 02:01 مساء
سراج دغمان

يبدو أن الداخل الليبي قد أضاع وقتًا طويلًا في التماشي مع حالة الصراع الأهلي القائم منذُ عام 2011 وحتى يومنا هذا، وهو صراع غير قائم على حالة نزاع حقيقية تُوازِي حجم النزاع الدامي الذي مرّ بهِ الوطن الليبي، والتي كانت نتيجته المباشرة تدويلا كاملا للملف الليبي بشكل يعجز الداخل عن تغييرهِ، بل إن السؤال الذي سوف تطرحهُ الأجيال القادمة: علامَ تقاتَل أبناء الأمة الليبية عشرة أعوام ويزيد..!!

هل هناك فعلًا صراع أفكار وأيديولوجيات وطبقات ومراكز قوى محلية متجذرة وأعراق ومذاهب..؟

هل فعلًا لدينا مُسبّبات محلية حقيقية لكي تنقسم الخارطة الليبية لتكتلات نزاع متشابكة تفتقد للحوار وللتآخي الوطني وفي بعض الأحيان تفتقد للرحمة فيما بينها.. وهذا سلوك واضح لدى مختلف الأطراف منذُ 2011 إلى يومنا هذا.

لكن على ما يبدو أن الملف الليبي لن يتم فيه وضع أساس حقيقي للحل سوى بعد تفاهم وتوافق الدول العظمى المتدخلة في ليبيا والمنطقة، ويبدو أن هذا الأمل أصبح مفقودًا.. بعيدًا..

فالعالم يعيش في مرحلة التهام الذات، وسقوط قيم العيش المشترك بين الأمم، ودخل فعليًّا في مرحلة انتهاء النظام العالمي الحاكم والمنسق والمسؤول على خلْق حالة الاتّزان بين العواصم المتحكمة التي تمثل دول المركز للقرار السياسي وقرار الحروب وصناعة الاقتصاد والتقنية.

فالسؤال كيف سيكون المشهد في الوطن الليبي بعد احتدام الصراع الصيني الروسي الأمريكي البريطاني الفرنسي الألماني على أفريقيا، وكذلك ربط هذا الصراع بالصراع المتوسطي على السيادة المائية والغاز بين دول حوض المتوسط.

فهل سينتقل الداخل الليبي لخلق حالة الشراكة الوطنية التي تفرض حالة جمعية من التنازلات بين القوى المتخاصمة؟ والتي يتنازلُ فيها أبناء الوطن الواحد لبعضهم البعض عوضًا عن التنازل المُطلق للأجنبي..

فالمشروع الوطني الجامع هو الضامن الوحيد لبقاء الليبيين في أرضهم في العَشرية القادمة، فلا ندري أبعاد الصراع العسكري المحتمل بين روسيا والولايات المتحدة في ليبيا وأفريقيا، كيف سيمضي؟ وإلى أين سيتّجِه؟ وكيف ستكون أدواته؟ ومدى حدّتهِ وأبعاده؟ وكيف سيؤثر على الأمن الديمغرافي والجيوسياسي والاقتصادي والغذائي والمائي للوطن الليبي..؟

أم أننا سنظل نعيش وهم الزعامة والشوكة والغلبة على بعضنا البعض بينما العالم حولنا يجمع أسلحته وغذاءه لليل الحروب الطويل.

أخشى في حالة استمرار سنوات التيه للداخل الليبي، فإنهُ ستكون النتيجة ذوبان الأطراف والأجزاء الليبية بين الدول والقوى الدولية المتصارعة على أرضنا، فعلينا أن ننتبه إلى أن الصراع العسكري قادم وبقوة بين الكبار على القارة الأفريقية.

بل لو عدنا لقراءة سريعة للتحولات والأحداث الدولية لسنة 2014 سندرك كيف أن مصيرنا أصبح معقدًا بطريقة يصعب حلها وأننا في أتون عقدة غوردية (1) تحتاج لخطوات وطنية شجاعة، لكي نبقى في دائرة المستقبل.

في سنة 2014 بدأت الحرب الأهلية الشرسة الليبية شرقًا وغربًا، التي اتّخذت أوجهًا متعددةً سياسية وأيدلوجية مختلفة، لا تعكسُ الحالةَ الثقافية والسياسية الليبية أكثر من كونها حالة من التأثر بالمحيط الشرق الأوسطي، وكان من نتائجها خلق حالة الانقسام والاصطفاف الحادّ في الطبقة القاعدية للمجتمع ولمراكز السلطة.

وفي نفس السنة قامت أحداث الثورة الأوكرانية والتي دُعمت من قِبل الولايات المتحدة الأمريكية حسب زعم روسيا، وفي نفس العام حدث تغيير سياسي في أفريقيا الوسطى بوصول كاثرين سامبا للحكم، وانقلاب آخر في بوركينا فاسو وزيادة حجم التوغل الروسي في سوريا، وغيرها من الأحداث.. لذلك علينا استيعاب حجم التحدي القائم أمام بقاء الأمة الليبية وبناء دولتها المنشودة وخلق السلام في أراضيها، فلكي نستطيع الإبحار جيدًا في قلب العواصف المحيطة بنا والتحديات القائمة؛ يجب علينا أن نرصّ أشرعتنا ونوحّدها لحوار القوى النافذة الدولية من أجل مصلحة الوطن وأبنائهِ وبقائهِ ومستقبلهِ..

(1) العقدة الغوردية: هي أسطورة تتعلق بالإسكندر الأكبر، ويستخدم المصطلح عادة للدلالة على مشكلة صعبة الحل يتم حلها بعمل جريء.