Atwasat

الذيب يطهّـر في ولده!

صالح الحاراتي الأربعاء 15 فبراير 2023, 02:54 مساء
صالح الحاراتي

فصل الشتاء وأمطاره من الفصول المحببة فى البلاد التى تنعدم فيها الأنهار كبلادنا.. بل ويعتبر المطر والخير صنوان.

فى زمن مضى، عندما كنا أطفالا صغارا، وعند قدوم فصل الشتاء والمطر أتذكر أننا نستغرب نزول المطر مترافقا أحيانا مع سطوع الشمس!! ونعتبر ذلك أمرا غريبا، فنلجأ لسؤال الكبار لماذا يحدث ذلك؟ فيقولون لنا..«معليش عادى الذيب يطهّـر فى ولده».

ويطهّـر هنا بمعنى الختان!

فتدور فى عقولنا عدة أسئلة، ولكننا نضحك ونكتفى بتلك الإجابة الخرافية.. فالحيز الذى تحتله الميتافيزيقا فى عقولنا كبير.. اليوم وفى عصر الإنترنت أظن أن هناك من الأطفال من لا يكتفى بتلك الإجابة ولكن سيسأل..
أين هو الذئب!؟

وبالقطع سنجد أيضا بالمقابل من ما زال يؤمن ويقبل بالإجابات الخرافية، ولعلي أستذكر هنا مقولة إبراهيم البليهي التى تفسر ذلك بأن «العقل يحتله الأسبق إليه».
حيث تفسر هذه المقولة حقيقة أن الغالبية من البشر يبقون على ما هم عليه من الأفكار والمواقف الناتجة عن التنشئة الاجتماعية، وأن القلة هم فقط من يخترقون ما يسمي «البرمجة»، أي التنشئة الاجتماعية التي تتم بطريقة آلية ويتشربها الفرد بتلقائية لتبقى تحكم تفكيره ونظرته للحياة طوال عمره، ليس لشيء إلا لأنها كانت الأسبق إليه.

وهذا يمضى بنا إلى القول إن هناك الكثير من الإجابات الساذجة والخرافية التى تشغل حيزا معتبرا في عقولنا، وبدورها تخلق منظومة من الأفكار والتصورات عن الحياة وتتحكم فى تصرفاتنا ورؤيتنا وتعاملنا مع الواقع.

ويحضرني في هذا المقام (سيادة مفهوم الغلبة) على عقولنا، ذلك المفهوم الذى قد يفسر دوافع ومسببات ما نحن فيه من صراع ودمار ومآسٍ، بدل الإجابة المباشرة التى تحيل الأمر إلى أنه الصراع على السلطة، وهي مسألة يتفق عليها معظم من تحدث في الشأن العام.. ولكن دون السؤال الجوهرى الذي يتبع الاعتراف بذلك الأمر.. وهو كيف استطاعت مجتمعات أخرى تجاوز هذه النزعة في الاستحواذ؟ والصراع على السلطة وصار لديها يقين بأن تداول السلطة خير من الاستحواذ عليها وإقصاء الآخر، وأن ذلك الطريق الآمن لأجل استتباب السلم الأهلي والتفرغ للبناء والتطوير بدل الانهماك في الغلبة وصراع الديوك...

فى تقديرى، مسالة «الغلبة» من المرتكزات الغائرة في عقولنا من موروثنا الثقافي الذي يحول دون التعلم والاستفادة من مجتمعات أخرى تنعم بالرفاهية والنمو.. فموروثنا يفتقر إلى قبول الآخر والنزوع إلى الاستعلاء وتبجيل منهج الغلبة والبطل الفرد..!

.. يا ترى ما سبب ذلك؟

السبب، في ظني، يتعلق بالتشبث بالمطلقات رغم نسبية الحقيقة.. عقولنا تزخر باستعلاء الإيمان «وخير أمة» وشعر الفخر الذى يمجد ولا ينتقد!! وتاريخ مزيف به الكثير من البطولات الوهمية.

الأمر، في تقديري، يستدعى ولا شك مراجعة شاملة لـ«الركام المعرفي» المتوارث حتى نصل إلى اليقين بوجوب تداول السلطة... ونسبية الحقيقة.

ليس الأمر بالهين أو السهل، ولكن لا مناص من قطع خطوات على ذلك الطريق.. طريق المكاشفة والصدق مع النفس، لأن إجابة «الذيب يطهر فى ولده» لم تعد تجدي للخروج من نفق العصور الوسطى.