Atwasat

قراءة في (الغرفة 211) الليبية (2- 2)

أحمد الفيتوري الثلاثاء 07 فبراير 2023, 12:48 مساء
أحمد الفيتوري

«إن الأدب هو الزي الموحد للواقع» – باسل خزام

بيتنا كان مثل محطة، على ربوة بين البحر والسباخ، عند الضفة الشرقية لمدينة بنغازي، الضفة ضمن حي الصابري، تدعى الزريريعية، ما تصغير اعتاده أهل بنغازي، فهي الزراعية، التي تحاذيها منطقة اللثامة، ما تبدو كواحة من النخيل.

في الطفولة، عادة ما نذهب للعب بعيداً عنهما، كما الكشاف، على بعد مئات الأمتار أرض قاحلة شبه صحراء، عند أول قطرة من الماء، تنقشع عن بساط أخضر، تتخلله أزهار منها شقائق النعمان الحمراء والأقحوان الأبيض والأصفر، وكأن الأرض، تدس كنوزها في انتظار الغيث، حتى تكشف عن مفاتنها.

هكذا هي «القوى الليبية الناعمة» التي تؤمي مجلة «الغرفة 211»، بل توضح أنها زرع في أرض صعبة، مُزارعها ذو مراس ومكابدة. لعل ملف العدد الأول من المجلة، دال على هذه السردية الليبية، التي مثل آثار مطمورة، تحتاج إلى أركيولجي، ينفض عنها غبار النسيان، أو يستعيدها من الجهل بوجودها أصلا: «ظل الرجل الكامل... ملحمة ألساندرو روسينا الليبية»، مقال في ملف المجلة، كتبه أندريه نفيس ساحلي بالإنجليزية وترجمه أحمد شافعي، المقال دراسة سيروية لسردية دالة عن حجر أساس، طمره الكاتب الليبي.

توضح ذلك مقالة هشام مطر، المعنونة (على الساحل الآخر): «باسل خزام، الذي كان يكتب باسم مستعار هو أليساندرو سبينا، ما هو قصة غير معهودة، وفي الوقت نفسه بالغة الأهمية. وهي قصة تنتمي إلى جغرافيا، المنطقة الكامنة في قلب أعمال الكاتب، أي منطقة البحر المتوسط العربي الأوربي.

وقد ولد باسل خزام في العام 1927م، لأسرة مرموقة من بنغازي، ترجع جذورها إلى حلب. وكان آل خزام من المارون يمتلكون مصانع ملابس في بنغازي، وفي العام 1954م، رجع أكبر أبناء الأسرة باسل، القارئ الشغوف والمتذوق العميق للأوبرا ولبروست، من ميلانو التي كان يكمل فيها الدراسة الجامعية، فتولى أعمال الأسرة وأدارها بنجاح، على مدار ربع القرن التالي. ولم يبد أن يبغض ذلك العمل، بل دأب في واقع الأمر على القول، بأنه يجد فيه منفعة إبداعية».

ملف المجلة حول الكاتب باسل خزام، المتقنع باسمه المستعار ألساندرو روسينا، يحتوي إضبارة أو خطاطة مقتضبة ومكثفة لنتاج إبداعي غزير ومميز، يضم ست روايات ورواية قصيرة وأربع مجاميع قصصية قصيرة، ما لم يدرس ولا بحث فيه، حتى في إيطاليا التي كتب بلغتها ونشر فيها وحصل على جوائزها الكبرى.

أما من دوافع ذلك ما يجيء بها أندريه نفيس ساحلي في مقاله: «حينما طلب سبينا نصيحة البيرتو مورافيا -من كان قد نشر له أول قصصه- بشأن مشروعه في العام 1960م، نصحه مورافيا بالعدول عنه، قائلا أنه ما من أحد في إيطاليا ليبدي به اهتماما، وذلك لجهلهم التام بماضي البلد الاستعماري»، أما الشاعر فيتوريو سيريني، فقد قدمه إلى زوجته بقوله «هذا يا حبيبتي، هو اليساندرو سبينا، الذي يحاول أن يشعر الإيطالييين بالذنب، تجاه جرائمهم الاستعمارية، بلا جدوى».

في مقتطف من نص (الساحل الرابع)، ترجمة أحمد شافعي عن الإنجليزية، التي قام أندريه نفيس ساحلي بنقل أعمال باسل خزام إليها أخيراً: «لقد استكشفت الساحل كله، ذهاباً وإياباً، خلال الأيام القليلة الماضية. قليلة هي العلامات التي تشير إلى وجودنا هنا وكلها سطحي.

الأرض القاحلة، الصحراء، هذه الشجيرات التافهة، كل شيء هنا يناقض رؤيتنا للعالم، وهي رؤية، برغم المثالية التي تتقنع بها الفاشية، وضيعة الجوهر. ثمة تناغم عميق بين رؤية أبناء البلد لعالمهم ومحيطهم الطبيعي، وجهودنا، على رأي دعايتنا المفرطة، تضيع كلها بددا وسط صمت الطبيعة الجليل، هذه الأرض لا تريدنا هنا».

آخر مقال هشام مطر ملاحظة «لا أحد يعرف يقينا، متى سترجع يوماً أعمال اليساندرو سبينا، إلى وطنها، لأنه لم يعثر بعد على المترجم المناسب لها، من الإيطالية إلى العربية». وعقب قراءة هذا والمجلة وملفها، طرحت على أصدقاء، أن نبحث عن طريقة ونعمل من أجل تنفيذها وهم: المحامي وصديق باسل خزام عمران بورويس، محرر العقود مجدي زاده، الكاتب عبد الرحمن شلقم، الشاعر خالد مطاوع، المثقف محمد الدايري. وطبعاً كانت هذه خطوة، وهي دعوة لكل من يستطيع إلى ذلك سبيلاً.

يبدو أن بالعدد الأول من الغرفة 211 باباً آخر مهماً هو (مراسلات)، لم يجر توضيح أنه باب ثابت، لكن المجلة على أي حال احتفت بالرسائل، مقدرة أنها مقتطفة من كتاب (أثر الطائر في الهواء: رسائل متبادلة بين عاشور الطويبي وسالم العوكلي)، سيصدر عن دار الفرجاني، الذي سيكون أول كتاب يضم مراسلات بين شاعرين ليبيين، بعد أن نشرت بعض الرسائل المتبادلة، بين بعض الكتاب الليبيين، مثل الصادق النيهوم وخليفة الفاخري ورفاقهما.

كذلك نوهت المجلة بأن إصدار الكتاب «حدث أدبي مميز في الأدب العربي عموما، إذ قد مضى وقت طويل، منذ أن نشر أي تبادل جاد للرسائل بين شعراء عرب، آخرها على حسب ما نذكر، هو رسائل محمود درويش وسميح القاسم، التي نشرت العام 1990م».

والرسائل المقتطفة المنشورة بالمجلة، تبين أنها تسجل حواراً ثقافياً في قضايا إبداعية تخص الشعر وقضايا فكرية، بين الشاعرين، كما تضم نصوصاً شعرية.

علماً أن الرسائل متبادلة عبر الإيميل، سنة 2017م فترة تصاعد الحرب الأهلية الليبية، وأن عاشور الطويبي مقيم في تروندهايم في النرويج ، فيما سالم العوكلي بمدينة درنة في ليبيا. ويلحق بالمراسلات باب (توثيق)، الطريف من حيث أنه يحتوي على مادة، تخص صورة في حياة كتابها، هم في العدد: إدريس القايد، ود. على الريشي، وفريدة المهدي الحجاجي، دون أية إشارة توضح هوية هؤلاء.

الملف وباب مراسلات وباب توثيق، بها يتميز العدد من حيث السرد الدلالي وسياقه، ففيها الجديد في الدلالة التوثقية والبحثية، والأسلوب الإخباري التحليلي، ما يجعل العدد وثيقة لكن في لغة نابضة بالشعرية.

هذا بالإضافة لما ضمه العدد، من نصوص سردية وشعرية طازجة، وقراءات مترجمة تخص الثقافة في ليبيا، ختامها باب (إدراكات)، الذي يضم دراسة خالد مطاوع: (غرفة الفاخري، وغرفة فرجينيا وولف: نحو إدراك أدبي بديل)، ما كنا أشرنا إليه، وقد ختم مطاوع مقاله في المجلة بالتالي: «السؤال هنا، ماذا علينا أن نفعل في هذه الوضعية، التي نحن فيها، وكيف نتعامل مع وضع ثقافي.

بات أقل تفهماً وتسامحاً من الفترة التي كتب فيها الفاخري منذ خمسين سنة مضت؟ كيف نعزز أنفسنا بالوعي المسبق، أو ما نسميه هنا الإدراك، الذي نحتاجه لإعداد أنفسنا للمارسة الإبداعية، لنحميها من التغلغل والشرود عن الغاية، ولتتناسق مواقفها الفلسفية، ولتكون مؤهلة بتعقب تحولاتها؟».