Atwasat

بعد التغلغل تأتي المزاحمة

رافد علي الخميس 02 فبراير 2023, 01:41 مساء
رافد علي

تركز الاهتمام الإعلامي العالمي السبت الماضي على خبر صفقة الطاقة بين المؤسسة الليبية للنفط وشركة إيني الإيطالية بسبب قيمة العقد المبرم ومداه الزمني، إذ تصل قيمة الصفقة المبرمة، وفق المعلومات المتداولة إلى ما يصل 8 بليون دولار ولعمر يمتد حتى 25 عاماً.

حقائق الأمور في الصفقة المبرمة توضح أن إيطاليا، بحكومتها الحالية، برئاسة السيدة جورجيا ميلوني، قد تجاوزت منافسيها في الأزمة الليبية كفرنسا وتركيا، وذلك بعد سنوات من تبني روما سياسة التغلغل في الأزمة الليبية والمحافظة على قدر كبير من المزاحمة على الكعكة الليبية، وهذا ما أوضحته عبارات كلاوديو ديسكالري، المدير التنفيذي لإيني، في كلمته التي ألقاها على هامش مراسم توقيع الاتفاق السبت الماضي بطرابلس، إذ اعتبر الاتفاقية «التاريخية ترسيخا للريادة الإيطالية في ليبيا».

تدرك إيطاليا في ليبيا فبراير أن سياستها محكومة بلعبة المنافسة المقيدة Restricted Competition التي تفرض على المتنافسين الأجانب في أزمة معينة الخضوع لضغوطات وقيود محددة تفرضها تفاصيل الأزمة والمتغيرات فيها، بما يجعل الأطراف المتنافسة، لأجل تحقيق أكبر مكسب وأقل خسارة، تسعى إلى ضرورة تحييد قيود المنافس الآخر، والاتكال على روح مرنة سياسياً، لتحاشي الصدام المباشر مع الغير.

إيطاليا التي كانت مترددة في مساندة الناتو ضد القذافي العام 2011، بسبب مصالحها معه، خسرت الكثير من مكانتها الاقتصادية والسياسية بليبيا أمام غريمتها فرنسا، وظلت العلاقة الفرنكو- إيطالية في حالة توتر مستمر بسبب الملف الليبي وتوابعه الأمنية الحساسة والصراع على النفوذ بالبلاد لإجراء تسوية تكفل مصالها وتضمنها بشكل فاعل، إذ سعت فرنسا سريعاً لفتح قنوات التواصل مبكراً مع المجلس الانتقالي وكذلك المؤتمر الوطني ووثقت علاقتها مع المشير حفتر بشرق البلاد، في الوقت الذي لم تخرج إيطاليا من تحفظها وحذرها، كمرحلة أولى لسياستها في ليبيا إلا مع توقيع اتفاق الصخيرات، لتبدأ سياسة الانخراط الحقيقي لروما في الأزمة الليبية، رغم أن المعارضة الإيطالية، على مر عمر الأزمة الليبية، ظلت تصب الانتقادات والتهم للحكومات الإيطالية المتعاقبة وسياستها في ليبيا واصفة إياها إعلامياً بـ «البطيئة عديمة النجاعة»، رغم سعي روما، كتدبير مضاد، لحوز مكانة دبلوماسية أوثق، ووضعية اقتصادية أعمق في السوق الجزائرية للضغط على باريس، التي كانت علاقاتها مع الجزائر، صاحبة الحضور والنفوذ بغرب ليبيا، تتراوح بين التوتر السياسي والفتور الدبلوماسي والتصعيد الإعلامي، والتي لم تنته إلا بزيارة ماكرون الرسمية للجزائر نهاية الصيف الماضي والتي كان من أهدافها المعلنة «استعادة فرنسا لدورها الريادي في السوق الجزائرية»، الذي تراجع في السنوات الأخيرة لصالح تركيا وإيطاليا وألمانيا على التوالي بحسب تقارير اقتصادية منشورة فى كبريات الجرائد الفرنسية حينها.

موازنات النفوذ الفرنكو-إيطالي في ما بينها بليبيا والجزائر، يستدعي الكثير من التمعن فيه، فرغم جدلية وزير النفط الليبي السيد محمد عون بعدم قانونية الصفقة بين مؤسسة النفط الليبية وإيني، والرد على هذا الاتهام بضرورة اللجوء للقانون، تجعل من ملابسات الأشياء محل اهتمام وتروٍ، سيما وأن الصفقة الليبو-إيطالية قد جاءت قبل أيام قليلة من الذكرى السنوية الأولى للمطالبة الدولية بضرورة تحييد النفط الليبي عن الأزمة السياسية بالبلاد وحالة التحارب فيها، كما يوضح ذلك بيان المطالبة بالتحييد النفطي، الصادر أواخر فبراير الماضي عن كل من واشنطن ولندن وباريس وروما وبرلين بقصد «الحفاظ على الطبيعة المهنية للمؤسسة الوطنية للنفط»، وذلك أثناء الأزمة التي حصلت بين السيد مصطفى صنع الله مدير المؤسسة حينها من جهة، ووزير النفط محمد عون، وانتهت الأمور بإعفاء صنع الله من منصبه، فهل اليوم حُيِّد النفط الليبي فعلا؟! أم أن الأشياء تستدعي قراءة جديدة في فواعل الأزمة الليبية وأزمة الفواعل فيها؟!

مهما يكن من أمر الراهن فإن الأزمة الليبية التي لم تتبلور لها خارطة طريق واضحة بعد، وتظل، لذات البرهة، المطالبة بإجراء انتخابات «في أقرب الآجال» مجرد نداءات سياسية حبيسة تصريحات في طرابلس الغرب وعواصم العالم، في حين أن جميع الأطراف المتورطة في ليبيا، أو الأخرى المنخرطة فيها، لا تزال ترتب أوراقها في مزاحمة مفتوحة تجاوزتهم فيها إيطاليا، المستعمر السابق لليبيا، لترسيخ وجودها على الأرض الليبية، وتعمق من دورها في اللعبة السياسية بالبلاد، ضمن منافسة صريحة على النفوذ والمصالح ليس إلا.