Atwasat

وصية الشاعر صلاح عجينة الأخيرة

سالم العوكلي الثلاثاء 31 يناير 2023, 02:00 مساء
سالم العوكلي

بداية العام 2012 تواصل معي الإنسان الجميل والشاعر المشاكس صلاح عجينة، حينما كان يعالج بين ألمانيا وتونس مرضه الفتاك، وكان يتجاوز أسئلتي عن صحته ولا يتحدث سوى عن كتب كان يشرف على طبعها، وحريص على إصدارها لأنها في آخر مراحل الإنجاز، عندما كان رئيسا لتحرير مجلة شؤون ثقافية ورئيسا لتحرير الكتب الصادرة عنها والتي كان مشروع عمره القصير، وكانت رغبته الملحة متابعة ما توقفت عنده مجلة شؤون ثقافية وإصداراتها من الكتب، وقد بعث لي نسخة من هذه الرسالة التي بدوري أحلتها إلى وزارة الثقافة آنذاك، وكل الوزارات بعدها، إلى أن تحولت فيما بعد وزارات الثقافة إلى الاهتمام بكل شيء ما عدا الثقافة نفسها.

تجدر الإشارة إلى أن الشاعر صلاح عجينة كان يركز اهتمامه على هذا الأمر ويراسلني يوميا تقريبا وهو يدرك أنه يحتضر. أعيد نشر رسالته هنا لعل وزيرا ما، أو أحدا معنيا بالثقافة، يهتم بهذا الجهد الذي بدأه الشاعر صلاح، رحمه الله، الذي استطاع أن يخطو بالمجلة خطوات مهمة، وأن يصدر كتبا من سلسلة الكتاب الشهري التابعة للمجلة لا تقل أهمية. وهذا نص الرسالة الوصية التي ستظل مفتوحة لكل من يعنيه أمر الكتاب، وتعنيه هذه الوصية:

<<السيد وزير الثقافة والمجتمع المدني.. تحية طيبة وبعد. أحيي جهودكم للدفع بالحراك الثقافي قدما ليشق خطوات بالمجتمع الليبي نحو مرامٍ تهدف للرقي به وتقليص دوائر الأمية الثقافية ونشر المعرفة عموما.

ألفت انتباهكم بطلب الاستمرار في الإشراف لنشر سلسلة كتاب مجلة شؤون ثقافية التي أسهمت - بمجهود الجميع - لإثراء المكتبة الليبية بنحو 13 عنوانا مختلفا في مجالات الآداب وترجمتها من الآداب العالمية وأدب الرحلات والنقد وترجمة الأعلام الليبية، والكتب التي صدرت هي على النحو التالي:
الشخصية الفكرية للصادق النيهوم – نقد : د.خالد المحجوبي

زلزلة السماء لـ: فنسينتي هويدبرو- شاعر تشيلي- ترجمة: د.عاشور الطويبي

الخليكوتس في جزيرة كريت – حضارة- ترجمة من اليونانية : د.محمود الوحيدي

عطية أبوصبع مختارات شعرية – شاعر ليبي- مترجمة عن الفرنسية- وليد سليمان

السيرة الذاتية في الأدب الليبي: دراسة
أين أمك أيتها الحمقاء – رواية- لـ : بترولا سترويس : ترجمة من اليونانية د.محمود الوحيدي

ثنائية الموت والحياة: دراسة حول الشعر الليبي- حليمة الصادق

سادة الهايكو مختارات من شعر اليابان- ترجمة : د.عاشور الطويبي

يوميات مغربية – أدب رحلات : عمّار جحيدرليبية في بلاد الإنجليز- أدب رحلات- خديجة عبد القادر- تقديم :فاطمة غندور

حجر الرجبان – أدب رحلات- عبدالحكيم الطويل

الشارة القرمزية – ترجمة عن الفرنسية لشعر الهنود الحمر- وليد سليمان

رائحة الحصان- قصص مترجمة عن الإنجليزية: عمر الككلي.

بدأت السلسلة بـ كتاب (الشخصية الفكرية للصادق النيهوم) في شهر نوفمبر من العام 2009، والتي توافق الذكرى السنوية لرحيل الكاتب الليبي الصادق النيهوم، وتوقفت عند كتاب : (رائحة الحصان) للقاص عمر الككلي والذي يوافق شهر نوفمبر من العام 2011 ، وهناك كتب بالسلسلة - طبعا - تبلغ نسبة الإنجاز فيها أكثر من 80 % أو أكثر.

المقترح أن نباشر في السلسلة بتاريخ - رجعي - يناير 2012 ويشمل المقترح حتى فبراير 2013.
العناوين المعدة وفق خطة العمل تشمل - 14 كتابا - كما يلي:
عبد اللطيف الشويرف وجهوده اللغوية- (تاريخ أعلام)، د.محمد جبران.

عزيز نسين مختارات (قصص مترجمة من التركية) د.عبد الكريم أبوشويرب.

ربيع باريس 2000 (يوميات، أدب رحلات)، د. جمعة الزريقي.

نوستالوجيا (دراسات) د. نجيب الحصايدي.

كتاب الكلمات: للكاتب الأذربيجاني : أباي- ترجمه عن الإنجليزية - عبدالسلام الغرياني.

ماء الشاعر، (تأملات) صلاح عجينة.

بصيرة الشعر: سيرة قصيدة ــ سالم العوكلي.

دنيسيوس والإسكندر الأكبر (حضارة ذات علاقة بليبيا) ترجمة: د.محمود الوحيدي.

المثقف والاغتيال، (دراسة) عدنان الصائغ.

شجرة الأكاسيا (نقد) بنعيسى بوحمالة.
الكتابة النسائية العربية (دراسات مجمعة ومقدمات) صلاح عجينة.

فارق التوقيت (قصص حديثة من فلندا) ترجمة: عبد السلام الغرياني.

تجدر الإشارة إلى أنه تُعد عقود نشرٍ لـ: 12 كتابا فقط حيث أن كتابين منها سبق للكاتب أن وقع عقدا وتحصل بموجبه على المكافأة وهما: (عبداللطيف الشويرف) و(كتاب الكلمات). بقية الكتب تحتاج توقيع عقود تأليف حسب ما هو معمول به بالوزارة.
السياق الذي يُنجح العمل بشكل عملي أن تُحول التكلفة المالية الإجمالية لرئيس التحرير، وهو مسؤول عن جميع مراحل العمل حتى تصل يد القارئ في المدن الليبية المختلفة : طباعة وإخراجا ورسوم الأغلفة والتصحيح اللغوي والنشر والتوزيع ومراحل الشحن والسداد والتخليص الجمركيين ونواحي المتابعة المختلفة.

القيمة الإجمالية للمشروع والذي يشمل 14 شهرا تبدأ من يناير 2012 وتنتهي بـ: فبراير 2013 تقدر بقيمة: 75 ألف دينار ليبي تشمل كل مراحل المشروع بالكامل.

أحجام الكتب من 208 صفحات إلى 450 صفحة من الحجم المتبع بالسلسلة14×21 سنتيمترا – خياطة وأغلفة ملونة ولمّاعة.

نوع الطباعة كما هي بالأعداد الـ 4 الأولى وتشمل عددا من النسخ الخاصة وهي طباعة أنيقة وبإخراج فني خاص وبحجم يخص السلسلة.

بعض الكتب حصل مترجمها على موافقة الكاتب وبعضها قيد المعالجة والاتفاق بهذا الشأن، وهذا يتابعه رئيس التحرير مع المترجم وتحمل الأعباء المطلوبة.

نوع الطباعة كما هي بالأعداد الـ 4 الأولى وتشمل عددا من النسخ الخاصة، وهي طباعة أنيقة وبإخراج فني خاص وبحجم يخص السلسلة.

بمجرد الحصول على الإذن وتحويل القيمة المالية المقترحة في نطاق أسبوعين إلى ثلاث أسابيع، تبدأ الكتب توزع بين أيدي القراء، ومن ثم تبدأ السلسلة كل شهر بشهره وفق الميعاد المحدد.

يتكفل رئيس التحرير بالاتفاق مع الوزارة بتنسيق عدد من احتفاليات توقيع لبعض العناوين والتعريف بها، والسياق المقترح أن تراسل الوزارة أحد الفنادق لتوفير صالة وبوفيه لمدة يوم واحد وتقام الاحتفالية وفق التنسيق الكامل مع الوزارة.

يشرف على سلسلة الكتاب صلاح عجينة وسكرتير التحرير عمر عبود، ويشمل الفريق المُعدّ: المخرج الفني وطباعين ومصححين لغويين ومتابع توزيع ومخلصين جمركيين في مطاري : تونس العاصمة (مكان الطبع) ومطار طرابلس.
يلتزم رئيس التحرير بعد التكليف والحصول على الموافقة على تنفيذ المشروع بكل دقة في جميع نواحي العمل المختلفة دون تأخر. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته». نهاية الرسالة.

ولم يمهل المرض والوقت صلاح كي يقوم مهامه الواردة في آخر رسالته، لكن أتمنى من كل معني بهذا الأمر في وزارة الثقافة بطرابلس أن يتابع هذا الأمر خصوصا أن نسبة الإنجاز فيه كبيرة. وكل ما أعرفه أن الشاعر التونسي عبدالمنصف المزغني كان هو المخرج الفني للكتب المذكورة، وسبق أن تحدثت معه في هذا الأمر الذي لا يحتاج إلا إلى متابعة الإجراءات كما أخبرني.

أعيد مرارا الكتابة عن هذه الوصية رغم معرفتي أن لا وديان أو جبال في هذا الوطن السفرتح ترد الصدى أو تصغي، لكنها فرصة لتذكر شاعر جميل ومشاكس أحببته، كان يسميه بعض أصدقائه من الشعراء العرب «الفتى الليبي المربك»، وفعلا كان هاجسه دائما الإرباك الذي يحدثه أينما حل، في النص الشعري، أو في حوار صحفي، وحتى في عمله كرئيس تحرير لمجلة شؤون ثقافية.

كان مربكا للمؤسسة التي تتبعها، لأن ثمة مؤسسات عادة تكون تقليدية أو منضبطة أو خائفة، وثمة أفراد حين يخترقون سياجها يثيرون فيها نشازا بديعا يخرج عن إيقاعاتها ومارشاتها المنضبطة.

وهذا ما فعله عجينة حين نشر في المجلة نصوصا شعرية باللغة الأمازيغية، أو حين نشر وسعى لنشر كتب مغضوب عليها وفق الرؤية الثقافية السائدة التي تنصب رقابة ضيقة الثقوب تخاف حتى من المجازات المرسلة، وكان صلاح نشازا في مؤسسة مروضة، مثلما كان الصديق الصحفي والكاتب محمود البوسيفي، الذي نشر كتبا عبر مجلة المؤتمر ما كان لها أن تنشر لولا وجوده كفرد مترع بحب الإبداع الليبي والثقة فيه.

متجاوزا شروط المؤسسة ومدى الفزع المتفشي فيها، ومستثمرا فرصة نشر كتب لا تمر بثقوب رقابة المطبوعات الليبية المصابة بفوبيا الكتاب وحساسية الحبر، ومثل هؤلاء الأفراد المجانين لا يرضخون للشروط أو الحدود وقادرون على تحمل المسؤولية والدفاع عن خياراتهم بقوة.

وفي النهاية تمتعت المكتبة الليبية بكتب ما كان لها أن ترى الضوء لو مرت بقناة الرقابة على المطبوعات، ومن هذا المنطلق كان حرص الشاعر صلاح عجينة على اكتمال إجراءات آخر مجموعة انتخبها من المخطوطات قبل أن يرحل عن هذه الحياة التي أربكها وأربكته، والذي ترك فيها قصيدته على حافة الإنجاز وهو يقول:
لم أكتب قصيدتي بعد
فقط أطوف بين السنابل
والمنال ولا أنال
الصحراء تعصف بي والغابة تطردني.