Atwasat

رحلة البحث عن الطمأنينة (1-2)

عبدالله الغرياني الإثنين 23 يناير 2023, 02:07 مساء
عبدالله الغرياني

أبدا الحياة ليست سهلة كما نعتقد أو نظن ولا يمكننا مهما فعلنا تجاوز صعوباتها والصدامات التي تؤثر فينا وتجعلنا نقف في منتصفها عاجزين عن استكمال السير، وفي العام الماضي والأعوام التي قبله تعرضت لمتاعب كثيرة صحية وحياتيه أصبحت تتراكم ولا تتوقف، حتي وقعت الوقوع الذي كنت أظن أنني لن أنهض من بعده، وبقيت حائرا كيف أقف من جديد لاستكمل السير في الحياة، وفي هذا الظرف القاسي كانت تراودني بين الحين والآخر فكرة زيارة بيت الله الحرام في مكة المكرمة والمدينة المنورة، حيث يرقد رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم، وفي هذا السقوط أزدادت رغبتي في الرحلة إلى هناك لأداء مناسك العمرة والحصول على الطمأنينة الإلهية التى قد تُزيل رعب الحياة وصدماتها وتجعلني أنهض من جديد، وفي اتصال هاتفي مع أحد الرفاق الذي لم يتركني أبدا في أشد ظروفي، دعم رغبتي وعلى الفور قمت بإجراء بحث عن شركات رحلات للعمرة والحج وظهر لي إعلان عن رحلة ستكون في أواخر شهر ديسمبر، قمت بمراسلة الشركة وجاوبني المسؤولون بها وطالبوني بإرسال صور من الإقامة وجواز السفر لتجهيز تأشيرة السفر، وهذا ما تم وبعد أسبوع تسلمت تأشيرة السفر إلى السعوديةـ ومن هنا أصبحت أتجهز لهذه الرحلة وأتي موعد السفر والانطلاقة كانت من مطار برلين براندنبرغ، وتوقف محطة بمطار القاهرة ومن ثم محطتنا الأخيرة المدينة المنورة، حيث هبطت بنا طائرة مصر للطيران بعد منتصف الليل بمطار الأمير محمد بن عبدالعزيز، لأجد أمامي عند باب الطائرة موظفا أتى بالكرسي المتحرك لنقلي لإتمام إجراءات الجوازات، وعند وصولي لضباط الجوازات مسك جواز السفر وقال «مرحب بأخواتنا الليبيين» التقط لي صورة عن طريق كاميرا مثبتة أمامه ومن ثم أذن لي بالدخول، أخذت حقيبتي وخرجت لأجد أمامي عددا من شباب السعوديين يرحبون بالقادمين ويعرضون عليهم إذا ما كانوا محتاجين لتاكسي يوصلهم إلى منتصف المدينة المنورة، جلست خارج المطارـ وأصبحت أنتظر حتي خروج باقي المجموعة وانتقلنا مع مرشد الرحلة إلى الفندق، وفي طريقنا أصبحت تظهر لنا مآذن المسجد النبوي، وهنا تسلل بداخلي شعور جميل ومريح، فأنا أقترب من مسجد يختلف تماما عن باقي مساجد الأرض، فهو المسجد الذي دفن به أعظم المخلوقات رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم وبيته الذي ارتفعت فيه روحه إلى الله سبحانه وتعالى، رسولنا الذي ضحى لأجل نشر رسالة الإسلام، وضعنا أمتعتنا وأغراضنا في الغرف، وما إن اغتسلت حتي دخل أذان صلاة الفجر، خرجت مسرعا، وكانت المسافة بين الفندق وحرم المسجد النبوي لا تتجاوز الـ 500 متر تقريباً، خرجت من الفندق ووصلت للساحة المؤدية للمسجد، لتقف أمامي عربة كهربائية يقودها شاب سعودي تقل كبار السن، ليطلب مني الصعود ليوصلني إلى المجسد النبوي، أصبحت تقترب العربة من المسجد وتسير تحت المظلات في جو مظلم بارد مع نسمات مريحة وبداخلي شعور مليء بالسعادة، وصلت إلى أمام البوابة رقم ثمانية المسماة بوابة الملك سعود، وأمام البوابة وجدت المسلمين يسيرون بأمان وطمأنينة مبتهجين بوجودهم في حضرة رسولهم صلى الله عليه وسلم، دخلت إلى المسجد وكانت لدي معرفة مسبقة عن داخله وأين تقع الروضة وقبر رسولنا الكريم وأصحابه أبي بكر الصديق وعمر بن الخطاب رضوان الله عليهم، استقبلني بالداخل بمعاملة لطيفة أحد الشباب الذين تم توظيفهم ضمن رؤية 2030 لتنظيم الحشودـ كما يُظهر الشعار الموضوع على زيه، وأوصلني للداخل وسط الزحام ووضع لي كرسي للصلاة، انتهينا من أداء صلاة الفجر وخرجنا لأجلس حتي شروق الشمس وأنا أشاهد البشر كيف يسيرون بشكل منظم جنب بعضهم، أشكالهم وألوانهم وملامحهم مختلفة، جميعهم حضروا للسلام على الرسول والصلاة بجواره، ازددت إرهاقا وتعبا بسبب السفر، غادرت الفندق تناولت الإفطار وخلدت إلى النوم، استيقظت لصلاة العصر في المسجد الذي نزلت بداخلي السكنية عندما دخلت إليه فجرا، وفور الانتهاء من صلاة العصر اتجهت نحو بوابة باب السلام التي يدخل من خلالها المسلمون جميعا للسلام على الرسول، مرورا من الروضة المحاذية للحجرة النبوية التي بها منبر رخامي وضع بديلا لمنبر رسولنا عليه الصلاة والسلام، وفي هذه المنطقة بين المنبر والحجرة النبوية كان بيت الرسول وغرفة أم المؤمنين عائشة.

وقفت أمام باب السلام وطلب مني أحد الموظفين في تنظيم الحشود الوقوف جانبا ليتم إدخالي مع ذوي الاحتياجات الخاصة، وفعلا دخلت بخطوات ثابتة وهادئة حتي وصلت للمنبر، وطلبت من الأمن الدخول للصلاة أمام المنبر، ورغم الازدحام قال لي «تفضل ادخل»، وفور دخولي وبعد الصلاة جلست وكانت الأجواء رائعة جدا، ومرت بداخلي كل الأحداث التاريخية في بداية الرسالة، ليؤذن المؤذن لصلاة المغرب، صليت وبعد صلاة المغرب خرجت وألقيت السلام حيث يرقد الرسول، عليه الصلاة والسلام، وأصحابه رضوان الله عليهم، رسول المحبة والتسامح البريء براءة كاملة من الإرهاب والتطرف والتعصب الذي انتشر في العهود التي من بعده حتي عهدنا الحالي، جلست في حرم المسجد لوقت طويل حتي العشاء ومن بعده ونظري من جديد على أفواج الزوار وأعراقهم المختلفة ومذاهبهم وتوجهاتهم، وجميعهم مبتسمون وتسكنهم الطمأنينة ويبادرون بعضهم بالمودة والمحبة، ومر في بالي تساؤل سريع: هل سيعود كل هؤلاء بهذه المشاعر لأوطانهم.. هل هم كذلك أم لأنهم في حضرة الرسول الذي وحد مشاعرهم، جاءني جواب، وأشار بأن التراث دمر أمما مسلمة كثيرة وجعلها رهينة بين الاعتدال والتعصب، لتنهال عليها فرق وعقائد تنشر الكراهية والتشدد، بعيدة كل البعد عن روح وجوهر الإسلام، وهنا العلاقة تبقي فردية وخاصة بين العبد وربه وتقدير رسوله الذي أوصل لنا جميعاً رسالة الإسلام بتضحيات كبيرة.