Atwasat

اختراق التدفق وحيد الجانب

عمر أبو القاسم الككلي الأحد 22 يناير 2023, 11:49 صباحا
عمر أبو القاسم الككلي

منذ القدم تخلق لدى الإنسان ميل لمعرفة ما يجري حوله، ليس في الطبيعة فقط، ولكن لما يجري لدى جماعات بشرية أخرى قريبة منه. ومع نشوء الحضارات تبلور الاهتمام بحضارات الأمم الأخرى وما يجري لديها ومعرفة أخبارها، لأغراض مختلفة منها ما هو تجاري ومنها ما هو عسكري ومنها ما هو ناتج عن فضول ونزوع معرفي محض. ومن هذا النزوع المعرفي نشأت كتابة التاريخ، أو التأريخ.

مع نشوء الصحافة ظهر البحث عن "الأخبار" المختلفة محلية كانت أو غير محلية.

مع حوالي منتصف القرن التاسع عشر أفضى هذا الميل إلى الحصول على أخبار الأحداث الجارية في المحيط القريب أو الأصقاع النائية إلى نشوء مؤسسات تتولى هذه المهمة عرفت بـاسم "وكالات الأنباء".

أول مؤسسة من هذا النوع ظهرت سنة 1848 وهي وكالة آسيُشيدتس برس التي فتحت فروعا لها سنة 1931، في لندن وباريس وبرلين، ولاحقا في أنحاء مختلفة من أوروبا. ثم تلتها وكالة رويترز البريطانية سنة 1951 التي تعد من أكبر الوكالات العالمية في هذا المجال. بعدها توالى ظهور هذا النوع من وكالات الأخبار.

حتى الآن يقال أن ما يقدر بثمانين بالمئة من أخبار العالم تبثه خمس وكالات أخبارية عالمية هي، إضافة إلى الوكالتين المذكورتين أعلاه، وكالة يونايتد برس انترناشيونال الأمريكية، وكالة الصحافة الفرنسية، ووكالة تاس الروسية.

هذا الأمر أثار قلقا متزايدا لدى "دول الجنوب"، نبهت إليه هيئة الأمم المتحدة، لأنه يعني "التحكم في الأخبار" من حيث تحديد ما يبث وما يحجب وطريقة صياغة الخبر، فعلى سبيل المثال هناك فارق بين أن تصف أفراد حركة مسلحة ما تعمل ضد نظام بأنهم "ثوار" أو "متمردون" أو "إرهابيون".

احتكار الأخبار هذا والتحكم في طبيعتها ومضامينها، صار يُخترق جزئيا بفعل الصحف التي تعتمد في جزء من أخبارها على مراسليها، وكذلك الإذاعات المسموعة، ثم المرئية، التي لها القدرة على تشغيل مراسلين في أماكن مختلفة من العالم. ومع ظهور البث الفضائي المرئي أخذ هذا الخرق يتسع.

لكن الاختراق الأهم، في تقديري، هو ظهور المدونين الذين ينشؤون قنوات أخبارية على "اليوتيوب". لقد جذبت اهتمامي مؤخرا بعض هذه القنوات ولفت انتباهي حسن تقصي أصحابها لأخبارهم واعتمادهم على ما تورده بعض الصحف في لغات مختلفة وما تبثه بعض المحطات التلفزيونية. صحيح أن بعضهم يستخدم لغة منحازة، وحتى ساخرة، تنحرف عن اللغة الموضوعية المطلوبة في إيراد الأخبار، إلا أن هذا لا ينقص من أهمية ما يوردونه من أخبار وتحليلات.

وإذا جمعنا اختراقات ما أوردناه أعلاه فإننا نلمس تأثيرا معقولا في هذا الاتجاه ونتصور أنه سيتزايد مع تطور تقنيات الاتصال وبرامج التواصل فائقة المستوى.