Atwasat

المصالحة وإصلاح الشخصية الليبية

سراج دغمان الأربعاء 18 يناير 2023, 02:44 مساء
سراج دغمان

إن الدارس لسيرورة الحرب الأهلية الليبية منذُ العام 2011 وحتى يومنا هذا، سيخرج بنتيجة مفادها أن الحالة الغالبة للشخصية الليبية فقدت بعض عوامل الثقة في ذاتها وفقدت النهج الوطني القويم في انتمائها، واهتزت بعض الشيء قواعدها، وتحولت في أغلبها من تكافلية العيش إلى الغلبة الفئوية، ومن حالة البناء إلى حالة الهدم.

إن المناداة بالمصالحة الوطنية وحدها لا تكفي على الرغم من قداسة هذا المطلب، لكن يجب أن يقترن هذا المشروع الإيجابي والمقدس بمشروع موازٍ آخر، وهو إصلاح الثقافة الجمعية، ومعالجة سلوك العنف وأسبابه، وتغيير ثقافة المغالبة والغنيمة والاستقواء بالخارج على الداخل من كل الأطراف والاتجاهات، واستبدال خطاب الكراهية والانتقام والإقصاء بخطاب البناء والوحدة والسلام وتقبل الآخر تحت مظلة الوطن وأحكامه.

نحنُ لا نعيش في صحراء منفية، فليبيا بلدٌ بحري متوسطي تاريخهُ مليء بالتواصل الحضاري والثقافي والتجاري والمصالحي مع محيطهِ، وهذا أمر مهم للبناء عليه.

ولكن علينا أن نتواصل مع الأطراف الدولية بعقل وطني مستنير يسعى لإصلاح بلاده ووطنه، وليس لمصالح خاصة ضيقة الأفق يكون مردودها بالسلب على وحدة الوطن وسلامه، فيجب علينا أن نعمل من أجل امتداد جسور التواصل الثقافي والفكري والتعليمي والتجاري والتقني والصناعي مع محيطنا، الذي تربطهُ معنا مصالح مشتركة مع كل الأطراف الدولية المختلفة.

إن حالة الصراع المسلح بين الأخوة الأعداء يجب أن تنتهي وتنتقل من الصراع بالبنادق إلى الصراع السلمي عبر صندوق الاقتراع والعمل الحزبي والفكري والسياسي تحت مظلة الوطن قبل كل شيء.

لا يمكن للوطن أن يعيش سوى عبر إعادة حالة الوحدة الوطنية في مشروع الأمة الجامع، وهذا يحتاج للكثير من التنازلات من جميع الأطراف، أما حالة التجزئة ستفرض حالة التبعية للخارج وستتآكل الجغرافية الليبية لصالح تيار ديمغرافي جديد وتيارات جيو سياسية جديدة..

إننا أقلية سكانية في أرض فسيحة مليئة بالثروات في محيط إقليمي يعج بالفقر والمشاكل الاقتصادية، ولديه طموحات في التوسع سواء من حدودنا الجنوبية أو الغربية أو الشرقية.

كما أننا يجب أن نطوي صفحة الماضي بكل فصولهِ المحزنة، لأن تحديات الحاضر والمستقبل كبيرة، فسيشهد العالم عواصف دولية مختلفة وعدم استقرار في الأمن الغذائي، وفي الأمن الديمغرافي، وفي الأمن الجيو سياسي.. والوطن الليبي مهدد بقوة بأن يصبح ضمن دائرة الصراع بين القوى العظمى وأقطابها المختلفة في ليبيا وعلى السيادة المائية المتوسطية وعلى أفريقيا.

فإن لم نسع للإصلاح الحقيقي والمصالحة ضمن خارطة طريق وطنية، ترفض العنف بأنواعهِ والتطرف بأشكاله المختلفة والشمولية بأنواعها، وتدعم الدولة ومؤسساتها ضمن نهج وطني ليبرالي حر منفتح على الداخل قبل الخارج، ويعمل بأفق متّسع بين التيارات الدولية المختلفة، فإننا سنواجه مستقبلا أكثر غموضا من حاضرنا.