Atwasat

ليبيا دولة دولية!

أحمد الفيتوري الثلاثاء 17 يناير 2023, 12:12 مساء
أحمد الفيتوري

فيما يخص زيارة وليام بيرنز مدير وكالة المخابرات المركزية الأمريكية.

إذا اتفق الليبيون على أن ليبيا هي البلاد التي تعترف الدول بحدودها، والأمم المتحدة والمنظمات الدولية والإقليمية وما شابه، فإن الدولة الليبية كما كل الدول، مسألة دولية كما هي مسألة إقليمية ومحلية. وإذ سلموا بهذه البديهة، فإن ليبيا اليوم غير ليبيا الأمس، باعتبار أن العالم جملة وتفصيلا كذلك، ولهذا فإن الذاكرة أس العقل، لكن المتغير هو قاعدة الحياة وحتى غيرها. هذه البديهيات الأولى، هي التي تمكن البشر من التعايش والتحاور وغير ذلك صفير في واد. وهذا ما يجعل الليبيين يعيشون الأزمة ويغرقون فيها، فلا حلّ دون اعتبار أن ما فات فات، ولا حلّ دون حوار، ولا حلّ دون مشاركة فاعلة تضع في اعتبارها البديهيات الأولي، وبالتالي فإن القول إن الحلّ ليبي ليبي، هو من باب أن الحلّ اللاحلّ.

ومن الدوغماء أي اللاعقل، القفز عن المعطيات الأولية، بوضع الشروط أمام العربة، فالمسألة الليبية من سوء أو حسن الطالع كانت مسألة «دولة» أي «دولية»، في منطقة تعاني فيها الدولة من عطب تاريخي، أنها نتاج لاستعمار طويل من جهة، وأن الدول المستعمرة دول جوار، ما زال دورها كبيرا، لأن نفوذها كبير ومصالحها أكبر. بالإضافة إلى ذلك فإن الجغرافيا سيدة التاريخ في المنطقة، فدول جنوب البحر المتوسط تعاني جمعا من هذا التوسط، وإذا ما أضفنا إلى ثروة الموقع ثروات الموقع فإن من لهم نفوذ ومصالح كثرا.

ومن ذاك فالمسألة الليبية مسألة منطقة، تتفاقم مشاكلها كلما تفاقمت المشاكل الدولية، فتكون التدخلات الخارجية كما مسألة داخلية، والقوى الفاعلة تعمل لأجل مصالحها، على تمويه ما لا يفيدها. ولذلك عقب زيارة مدير المخابرات المركزية الأمريكية إلى ليبيا، خرج سفير أمريكي سابق في مداخلة تلفزيونية، ليؤكد على أن الزيارة تجيء، لتوضح أن لا مصلحة للولايات المتحدة في ليبيا، غير التأكيد على مصلحة ليبيا، وأن الحلّ ليبي ليبي. أي أن السيد وليام بيرنز، جاء في زيارة غير معلنة، عاجلة، ولم تستغرق إلا ساعات قليلة، لنقل رسالة تلوكها الأفواه وتعيد تكريرها الميديا. هكذا السياسة في الأغلب كجبل الثلج، تموه أغراضها، وتدير الكثير من مهامها في جلسات مغلقة وسرية، وجهازها الأبرز في ذلك مخابراتها، ومن ذلك عملها على استبعاد البديهيات وتعقيد البسيط.

وأما فيما يخص المصالحة الوطنية

المحافظة على الاستقلال أصعب من نيله، في العهد الملكي كانت هذه الجملة، مكتوبة على الحيوط واللافتات، حيث وليت النظر، في ساحات الاحتفالات وحتى في المدارس.. وهلم جرا، قيل إن السيد إدريس السنوسي ملك البلاد رددها ذات مرة، بعيد نيل الاستقلال.

ليبيا الحديثة نهضت، كما تقريبا في السودان والسعودية، ضمن حركة دينية إصلاحية، هي الحركة «السنوسية» التي مُؤسسها الجزائري «محمد بن علي السنوسي» في منتصف القرن التاسع عشر. هذه الحركة المعروفة عند المؤرخين فحسب، تمكنت من صوغِ رؤيةٍ دينيةٍ تقويمية، تقوم على الاتباع من جهة، وعلى النظرة الخصوصية الإصلاحية لعلاقة الدين والحياة لمؤسسها، الذي نجح بالتمترس في الصحراء الليبية، في الابتعاد عن أي نفوذ للقوى النافذة حينها. وبالتالي نجح حفيده الأمير إدريس السنوسي، من رَأسَ الحركة - بعد وفاة والده المهدي- في تأسيس المملكة الليبية المتحدة، بعد خوض معركة جهادية تحريرية ضد الاستعمار الفاشي الإيطالي بين عامي 1911 و1944م، أي نهاية الحرب الثانية، فاستقلت ليبيا في 24 ديسمبر 1951م، بقرار من الأمم المتحدة صدر سنة 1949م، وبذا تكون أول دولة تنال استقلالها بقرار أممي.

وجاء في مذكرة رسمية للجامعة العربية، بثها مجلس الجامعة في مارس 1951م، تعقيبا على قرار الأمم المتحدة: إن الأمم المتحدة بتمسكها بوحدة ليبيا، كانت معلنة لا منشئة لهذا الحق، وليست قراراتها في هذا الشأن، إلا اعترافا بحق ذلك البلد، في أن يتمتع بنظام الوحدة الطبيعي. والجدير بالذكر أن أول أمين للجامعة السيد عبدالرحمن عزام، من صاغ ذاك التعقيب، كان مشاركا في جهاد الليبيين ضد الاستعمار الإيطالي، وفي إعلان أول جمهورية عربية، الجمهورية الطرابلسية 16 نوفمبر 1918م. وحين استقلت ليبيا، كان المغربُ العربي يُعرف بالشمال الأفريقي الفرنسي، وجل دول المنطقة والقارة لم تستقل، ولعل هذا ما ساهم في أن المسألة الليبية، كانت محض مسألة دولية، مما عنى أن التنافس الذي دار حول ليبيا تنافسٌ دولي، بين الدول الكبرى المنتصرة في الحرب الكبرى، ومن هذا كان لبريطانيا العظمى والولايات المتحدة، الإصرار على منح ليبيا استقلالها بقرار أممي.

لعل هذه الخلفية تذكر: إن ليبيا دولة الأمم المتحدة، عند نشأتها، ثم عندما قامت بدعمها زمن الفقر والجهل والمرض، ثم عقب القرار 1973 في مارس 2011م، وحتى اليوم. هذا الجانب التاريخي والفعلي قد يكون من حسن طالع البلاد، إذ تمكنت من إعلان استقلالها باعتراف دولي، ولعل هذا يجعل الدعم الدولي عكازا لدرء شللها. وكون المسألة الليبية مسألة أممية، من الممكن اعتبارها مسألة تناقش وتتداول قضاياها جهرا وليس سرا فحسب، وهذا يدعم ليبيا من أجل الخروج من عنق الزجاجة، فمرحلة محلك سرّ التي ديدنها أن الحلّ اللاحلّ.

أخيرا هنا أذكر بالبديهيات التي كثيرا ما تغيب، في خضم المستجدات وتفاصيلها، ما يخوض ويغوص فيها الجميع، وكل يظهر كما لو أنه العارف ببواطن الأمور، وأنه قد توقعها ووكدها قبل أن تحدث، دون أن يدرك أنه بهذا، يشير إلى نفسه كضارب ودع ليس أكثر.