Atwasat

كامل حسن المقهور في الذكرى العشرين

جمعة بوكليب الأربعاء 11 يناير 2023, 11:50 صباحا
جمعة بوكليب

الذكرى العشرون لوفاة الكاتب المبدع المرحوم كامل حسن المقهور مرت منذ أيام قلائل. ولولا مقالة يتيمة بقلم ابنته وتلميذته الكاتبة عزة المقهور، صادفتني في موقع طيوب على الإنترنت، لما كنت فطنت.

وإذا كان الكتاب والمبدعون الليبيون، وأنا منهم، قد فاتهم أمر تذكرها، وشغلتهم أمور الحياة، فالأمر لا يستدعي انزعاجاً على ما أعتقد، كونه ليس جديداً؛ بل أضحى، بمرور الوقت، تقليداً ثقافياً ليبياً بامتياز. وفي الوقت ذاته، فإن وزارة الثقافة الليبية، هي آخر من يستوجب اللوم، من باب أن «الضرب في الميت حرام».

كامل حسن المقهور، رحمه الله، كان معلمي الأول، ثم أصبحنا صديقين. تلك الصداقة انتقلت بعد وفاته إلى كريمته عزة، وعبرها إلى نجله مروان. وما زلنا، قدر المتاح، نتواصل ونحرص على تمتين حبل الود بيننا.

الصديقة عزة المقهور كاتبة مبدعة. وللعلم، لم تبدأ مشوار النشر، وليس الكتابة، إلا بعد وفاة معلمها وأبيها. ومثله، تكتب القصة القصيرة. ونشرت عدة مجموعات قصصية، آخرها «امرأة على حافة العالم». وهي مجموعة قصصية متميزة، شكلاً ومحتوى.
وكانت عزة من عرفني بأخيها مروان أخيراً. مروان ظل بعيداً عن عالم الكتابة الإبداعية.

لكنه في الشهور الماضية فاجأني بمخطوطة رواية من تأليفه. وستصدر له قريباً عن دار الفرجاني للنشر- بطرابلس.

في مطبعة في طرابلس اسمها «مولتي برس» ولم يعد لها وجود، كان يملكها المرحوم عبداللطيف الكيخيا، وتقع في شارع الحريري، بالقرب من معرض طرابلس الدولي، قابلني اسم كامل المقهور لأول مرة. كنت طالباً في بداية المرحلة الإعدادية، وشغوفاً بالقراءة، وأعمل بقسم التجليد في تلك المطبعة. وفيها عثرت على مجموعة «14 قصة من مدينتي» وقرأتها.

وكانت أول مجموعة قصصية أصدرها المرحوم، وطبعت في مطبعة مولتي برس. ومن حسن حظي، كانت أيضاً أول مجموعة قصصية قرأتها، وانطبعت في ذاكرتي ووجداني. هل الصدفة وحدها ما قادني إلى العمل في تلك المطبعة، لأقرأ تلك المجموعة القصصية، وتستهويني؟

المرة الأولى التي التقيته فيها، كانت بعد ذلك بسنوات طويلة. وجمعنا اللقاء بمقر اتحاد الكتاب الليبيين في قرقارش، خلال فترة انعقاد مؤتمر الكتاب العرب في العام 1977 إن لم تخنّي الذاكرة. ولم نكن وحدنا، بل كنا في جلسة ضمت عديداً من الكتاب الليبيين، ومن ضمنهم المرحوم الأستاذ خليفة التليسي. ولم نلتق بعد ذلك، وجها لوجه، إلا في لندن، وبعد سنوات طويلة.

اللقاء اللندني، جاء عقب مقالة كتبتها عنه في جريدة الشرق الأوسط اللندنية. كان المرحوم قد وصل إلى مدينة زايست في هولندا، مقر المحكمة الإسكتلندية، لمباشرة مهامه كرئيس لفريق المحامين الموكل بالدفاع عن المتهمين الليبيين في قضية لوكربي. وأذكر أن الصديق صلاح جميل، أحد المحررين بجريدة الشرق الأوسط، اتصل بي هاتفياً طالباً مني كتابة مقالة عن كامل المقهور، لتنشر في الجريدة.

وقبلت المهمة، أو بالأصح، انتهزت الفرصة التي أتيحت لي لتقديم معلمي الأول إلى القراء العرب. ولحسن حظي، قرأ المرحوم المقالة بعد نشرها، وهاتفني من هولندا شاكراً.

وبالطبع، أخذنا الحديث إلى مسارات وقضايا أخرى. وكنت محظوظاً حين هاتفني، بعد ذلك، وأعلمني أنه قادم إلى لندن، ويتمنى لقائي. وفي تلك الزيارة التقيته وحدي، ولم يكن لي في الجلسة معه شريك. وحين ألم به المرض، وجاء للعلاج في لندن مرفوقاً بزوجته، كنت حريصاً على زيارته في المشفى الخاص. وخلال تلك اللقاءات، تعمقت بيننا أواصر المودة والصداقة.

حين يكون الحديث عن القصة القصيرة في ليبيا وتطورها، فإنني أعد المرحوم كامل المقهور أول من كتب القصة القصيرة الليبية، وفقاً لمعاييرها الفنية. وهذا القول لا ينكر جهود من سبقوه.

لكن تلك الجهود، في رأيي الشخصي، كانت إرهاصات لا ترقى فنياً إلى المستوى المطلوب والمرغوب والمتعارف عليه. ولذلك السبب، أعتبر مجموعة «14 قصة من مدينتي» أول مجموعة قصصية ليبية، على مستوى الشكل والمضمون، وضعت القصة القصيرة في ليبيا على الطريق الصحيح. وكانت حجر أساس قوياً. وبعده توالى ظهور مجايليه، الذين وطدوا وشيدوا بجمال صرح القصة القصيرة الليبية.
رحم الله كامل حسن المقهور.